11/1/2014         زيارة:1500       رمز المادة:۹۳۰۳۴۵          ارسال هذه الرسالة إلى أخرى

الاخبار »
بسم الله الرحمن الرحیم   ،   البعد التربوي لواقعة الطف
البعد التربوي لواقعة الطف

واقعة الطف.. الملحمة الخالدة، التي على الرغم من مرور أکثر من ألفِ عامٍ على حدوثها، ظلَّت طريَّة ومتجدِّدة، وکأنَّها قد حدثت للتو.. هذا ما تُؤکِّده جميع الکتابات التي تناولت هذه المأساة الإنسانية، سواءٌ تعاطت هذه الکتابات معها من الزاوية التاريخية أو الإنسانية أو الأخلاقية أو الأدبية أو غير ذلک من الزوايا.
وتعود هذه الظاهرة في واقعة الطف إلى عدِّة أسباب، أسهب فيها الباحثون والمؤرِّخون والکتَّاب؛ تأتي في مقدِّمتها بشاعة الحدث ومأساويته، وشمولية هذه الواقعة للعديد من الأبعاد الحياتية، وقيام الحالة الثورية على واقع الظلم والطغيان.
ولعلّ هذه الأسباب ـ وغيرها بطبيعة الحال ـ هي ما جعلت من واقعة الطف مثار اهتمام مختلف الشرائح والانتماءات الفکرية والعقائدية، فتحدَّث فيها: المسلم والمسيحي واليهودي وغيرهم، کما تحدَّث فيها: المؤرِّخ والمفکِّر والتربوي والباحث وعالم الدين وغيرهم.
فالأديب ـ مثلاً ـ رآها مصدر إثراء للشعر والنثر، ورآها المؤرِّخ نقطة تحوُّل في أحداث التاريخ وصراع القوميات، ورآها عالم الدين نقطة ارتکاز للعقيدة، ورفض للمعتقدات الشاذة واستغلال الدين لتحقيق المصالح والمکاسب الدنيوية والسياسية، ورآها عالم الاجتماع نقطة تمايز اجتماعي وانقسامات وتجمُّعات اجتماعية، ورآها السياسي مدرسة للتخطيط والتنظيم الإداري، ورآها العوام مبعثاً للطاقة والعزيمة في المطالبة بالحقوق والثورة على الظلم والالتزام بالمبادئ.. وهکذا.
واتفقت جميع هذه الشرائح والفئات، على أنّ واقعة الطف عبارة عن مأساة إنسانية حقيقية، حملت في طيَّاتها بُعدين اثنين . اتفق الجميع على الأول منهما، وهو: البعد العاطفي، فيما تباينوا في البعد الآخر، فالمؤرِّخ رآه بُعداً تاريخياً، وعالم الدين رآه بُعداً عقائدياً، والأديب رآه بُعداً أدبياً، والتربوي رآه بُعداً تربوياً..
وفي الواقع، لا يوجد أي تضارب بين جميع هذه الرؤى، فمأساة کربلاء کانت حدثاً شمولياً بکل معاني الکلمة، غير أنّ کل ذي اختصاص رآها من واقع اختصاصه، إلى جانب إنسانيته التي لم تترک له الخيار في اعتبارها مأساة إنسانية، أو بمعنى آخر: لم تتح له الفرصة لتجاهل البعد العاطفي في هذه المأساة . وفي تقديري الشخصي، فإنّ مثل هذا الاتجاه، ساهم في تعزيز الاستفادة من هذا الحدث التاريخي الإنساني في جميع المجالات الحياتية، أي أنّه اتجاه إيجابي، وليس سلبياً على الإطلاق.
وعلى الرغم من إدراک العديد من الفعاليات الدينية والفکرية لهذا الأمر، إلاَّ أنَّنا لا نزال نعيش واقع افتقار المکتبة الإسلامية والتربوية للإصدارات، التي تستخرج الدروس التربوية والأخلاقية من بين ثنايا هذه الواقعة، وتصوغها في قوالب تتماشى والذهنية العامة، وتتناسب ولغة العصر الذي نعيش فيه ؛ لتعمل من خلالها على بناء النفس الإنسانية بناءً سليماً بعيداً عن الاعتلال، سعياً وراء خَلْق مجتمع يسمو بذاته وکيانه، ويحتفظ لنفسه بهوية تُميَّزه عن باقي المجتمعات الإنسانية.
إنّ هذا الإرث الضخم الذي خلَّفه لنا الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزکى السلام)، وسطَّروا صفحاته بدمائهم الزکيَّة الطاهرة، ليس مجرَّد إرث تاريخي، وليس مجرَّد إرث أدبي، وليس مجرَّد إرث ديني، وإنّما هو إرث تربوي بالدرجة الأولى ... وهذا يعني أنّ واقعة کربلاء هي في الواقع مدرسة تربوية، لا تنحصر في دينٍ أو مذهبٍ أو تيارٍ مُعيَّن، فهي مَعينٌ تنهل منه النفس البشرية بغض النظر عن انتمائها ؛ لأنّ فيه ما يسمو بهذه النفس باعتبارها نفساً إنسانية، لا باعتبارها نفساً إسلامية.
وهذا المعنى يمکن أن نستقيه من قوله (عليه السلام) وهو يخاطب جيشاً عرمرم، اجتمع من کل حدبٍ وصوبٍ لقتله أو إذلاله:
أيُّها الناس، إن لم يکن لکم دين، فکونوا أحراراً في دنياکم
هذه العمومية في خطاب الحسين (عليه السلام)، وکذلک هي الحال في ما اشتملت عليه هذه الواقعة من خُطبٍ وعباراتٍ وحواراتٍ، تُدلِّل ـ بما لا يترک مجالاً للشک ـ على عمومية ثورة الحسين (عليه السلام)، وبالتالي عمومية الخطاب الوجداني في هذه الثورة الخالدة . فإذا ما سلَّمن
1   |  

ملف المرفقات:
وجهة نظر الزوار

وجهة النظر الخاصة بك


امنیت اطلاعات و ارتباطات ناجی ممیزی امنیت Security Audits سنجش آسیب پذیری ها Vulnerability Assesment تست نفوذ Penetration Test امنیت منابع انسانی هک و نفوذ آموزش هک