عاش الإمام الحسن عليه السلام سبع سنوات وأشهر في کنف جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وعاش في کنف والده إلى حين شهادته عليه السلام في سنة 40هـ، ثم تولّى الخلافة من بعده أشهر انتهت بالصلح مع معاوية، ورجع على أثرها إلى مدينة جدّة بقية عمره الى حين شهادته سنة.
کانت للإمام الحسن (ع) مواقف مشهودة خلال الفترة الممتدة من وفاة رسول الله (ص) إلى تولّي الإمام علي (ع) الخلافة بعد مقتل عثمان.
لقد عاش الإمام الحسن عليه السلام مرارة المحنة وخيانة الأمة لهم بعد مؤامرة السقيفة وسيطرة قبائل التحالف القريشي على مقاليد الحکم بعد وفاة جدّه المصطفى (ص)، ورأى بأمّ عينيه المصائب العظيمة التي حلّت بالبيت النبوي من احراق الباب وعصر أمّه سيدة النساء بالباب وسقوط جنينها محسن والمسمار الذي مزق صدرها وکسّر ضلعها وصفعها على خدّها وقود أبيه بحمائل سيفه نحو المسجد ليبايع أبابکر قهراً وهرولة أمّه وراءهم وهي تناشدهم بأن يخلّوا سبيلها وتهددهم بأن تکشف رأسها للدعاء عليهم، فخافوا ذلک وأطلقوا سراحه، وما إلى ذلک من مصائب جليلة يشيب لها الصغير.
وکان صغر سنّه وضعف بدنه يمنعانه عن نصرة أبيه الذي استضعفه المسلمون بعد أن انقلبوا على أعقابهم کما أنبأهم الله تعالى في کتابه الحکيم: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ } .
دخل الحسن عليه السلام مرّة الى مسجد جدّه رسول الله (ص) فرأى أبابکر على المنبر يخطب بالناس، فصاح به: أنزل من منبر جدّي. وخيّم الصمت على تلک الجموع الغفيرة وهي تنتقل مع ذاکرتها حينما کان هذا الصبي يجلس مع جّده على هذا المنبر.
وموقف آخر للحسن عليه السلام مع أخيه الحسين حينما جاءا إلى قبر جدّهما وکان عنده بلال المؤذن بعد أن جاء من الشام لرؤيا رأى فيها رسول الله صلّى اله عليه وآله وسلم يعاتبه على جفائه عن زيارته، فلما رأى الحسنان ضمّهما إليه وأجهش بالبکاء، فطلبا منه أن يؤذن کما کان يفعل في حياة النبيّ (ص)، فصعد بلال إلى سطح المنزل وشرع بالأذان وهرعت الناس نحو المسجد وخرجت المخدرات من خدورهن وارتجت المدينة بأصوات البکاء، ولم يُرَ أکثر باکٍ وباکية ذلک اليوم بعد وفاة رسول الله (ص)
وبعد أشهر معدودة انتقلت الزهراء إلى جوار بارئها وخلّفت لوعة وشجى في قلب الحسنين حزناً وحسرة على جدّهما واُمها، وکان علي عليه السلام يحاول سدّ هذا الفراغ العاطفي الهائل.
وترعرع الصبيان بجوار أبيهما أمير المؤمنين (ع) حتى بلغا مبلغ الرجال، يتّبعان خطاه وفي هذا السن تعاونا مع أبيهما في تعليم المسلمين القرآن وأحکام الإسلام، وکانت للحسن عليه السلام في شبابه حلقة مستقلّة للتعليم في المسجد النبوي الشريف.
ومرّت السنوات المظلمة کئيبة ثقيلة على العترة النبوية وهي ترى تلاعب صبيان بني أُمية بمقدرات المسلمين واتساع رقعة الانحراف يوماً بعد يوم حتى آلت الأ ُمور إلى الثورة على عثمان وقتله في عقر داره.
وخلال هذه الفترة التحق الإمام الحسن عليه السلام وهو في العشرين من عمره بجنود المسلمين المتجهة إلى أفريقيا بقيادة عبد الله بن نافع.
کما التحق مع أخيه الحسين عليه السلام بجيش المسلمين بقيادة سعيد بن العاص لفتح خراسان في سنة 30 هـ، فنزل الجيش قومى وصالحهم، ثم نزل جرجان وصالحهم أيضاً، وقاتلهم في طميسة احدى مدن طبرستان على ساحل بحر قزوين، واشتدّ القتال وصلّى المسلمون صلاة الخوف ثم کتب الله تعالى لهم النصر [1].
ومع أنّ التأريخ لم يحتفظ لنا بتفاصيل عن حياة أهل بيت النبوة خلال العقود الثلاثة المظلمة، إلاّ أنّه ذکر نزراً يسيراً من بعض مواقفهم وأخبارهم، منها کلمات الإمام الحسن عليه السلام عند توديعه لأبي ذر عندما أمر عثمان بنفيه الى الربذة، قال: "يا عمّاه لو لا أنّه ينبغي للمودّع أن يسکت وللمشيّع أن ينصرف لقصر الکلام وإن طال الأسف، وقد أتى القوم إليک فضع عنک الدنيا بتذکّر فراغها وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها، واصبر حتى تلقى نبيّک ويحکم الله بينک وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاکمين".
وفي أيام الثورة على عثمان طلب أمير المؤمنين علي عليه السلام من ولديه الحسن والحسين عليهما السلام بحراسة دار عثمان خوفاً من انقضاض الثائرين عليه، وقد جاء في رواية ابن کثير أنّ الحسن بن علي قد أ ُصيب ببعض الجروح وهو يدافع عنه.
ويبدأ فصل جديد من حياة الإمام الحسن عليه السلام بعد تولّي أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة، وخلال هذه الفترة التي امتدت خمس سنوات لازم فيها والده في حروبه جميعها، في الجمل والنهروان وصفين، وکان فيها قائداً للجيوش يخوض عباب الحرب وينازل الأقران ويقارع الأبطال ويجالد الانحراف بسيفه مضحياً بنفسه في سبيل استقامة دين جدّه صلّى الله عليه وآله وسلم.
فقد دخل الکوفة مع مجموعة من أصحاب أبيه عندما توجّه الى البصره، وخطب فيهم يستنفرهم للقتال، فمنع أبو موسى الأشعري وکان والياً على الکوفة الناس من الذهاب إلى نصرة علي (ع)، فالتفت إليه الحسن عليه السلام وقال له: "اعتزل عملنا لا أمّ لک، وتَنَحَّ عن منبرنا" [2]. وکان علي عليه السلام قد أعطى الراية لولده الحسن عليه السلام في کتيبته الخضراء التي جمعت وجوه المهاجرين والأنصار، فحمل بها على أنصار الجمل حتى زعزع صفوفهم.
ولمّا رأى أمير المؤمنين عليه السلام شجاعة الحسن عليه السلام وبسالته في ميدان القتال وهو لا يبالي بالموت، صاح بمن حوله: "املکوا عنّي هذا الغلام لا يهدني، فإنّي أنفس بهذين – أي الحسن والحسين عليهما السلام – على الموت لئلاّ ينقطع بموتهما نسل رسول الله" [3].
ومن خطبة له أيضاً يستنفر فيها أهل الکوفة لمقاتلة أعدائهم من أهل الشام: "ونحن إنّما غضبنا لله ولکم، إنّه لم يجتمع قوم قطّ على أمرٍ واحد إلاّ اشتدّ أمرهم، واستحکمت عقدتهم، فاحتشدوا في قتال عدوّکم معاوية وجنوده ولا تتخاذلوا فإنّ الخذلان يقطع نياط القلوب، وانّ الإقدام على الأسنّة نخوة وعصمة، لم يمتنع قوم قطّ إلاّ رفع الله عنهم العلّة وکفاهم حوائج الذلّة وهداهم إلى معالم الملّة" [4].
وهکذا بقي الحسن عليه السلام الى جنب والده الى آخر لحظة من حياته الکريمة حينما انبعث أشقاها في صبيحة 19 من شهر رمضان سنة 40 هـ فضرب أمير المؤمنين عليه السلام على رأسه وهو يصلـّي الفجر في محرابه، فنقل إلى داره وبقي ثلاثاً، أوصى خلالها إلى الحسن عليه السلام بالإمامة وورّثه مواريث النبوّة، فاجتمع عليه جماعة من بقي من المهاجرين والأنصار وأهل الکوفة وبايعوه بالخلافة.
وجاء في رواية الکليني أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أوصى إلى ولده الحسن عليه السلام وأشهد على وصيّته الحسين عليه السلام ومحمد بن الحنفيّة وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ودفع إليه الکتب والسلاح وقال له: "يا بُني أمرني جدّک رسول الله (ص) أن أ ُوصي إليک وأن أدفع إليک کُتبي وسلاحي، کما أوصى إليّ رسول الله (ص) ودفع إليَّ کتبه وسلاحه، وآمرني أن آمرک إذا حضرک الموت أن تدفعها إلى أخيک الحسين عليه السلام..." الحديث [5].
انتهای پیام
ملف المرفقات: