حقيقة الإيمان بالله تعالى
مراتب الإيمان بالله تعالى
کيف نقوي الإيمان بالله تعالى
صفات الله تعالى
دروس من صفات الله تعالى
توحيد الله تعالى
أولاً: معرفة وجود الله: وهذا اللون من المعرفة واجب على کل مکلف، ومن أدلة الوجوب:
أ ـ العقل: ومن طريقين([1]):
الأول: شکر المنعم: کل واحد منا يشعر بمختلف النعم من حوله سواء في نفسه من العقل والجوارح أم في هذا الکون بسمائه وأرضه، بمائه وهوائه وغذائه وضيائه، وهنا يکون من المنطقي أن نتساءل: ألا يجب أن نعرف هذا المنعم العظيم حتى نشکره بما يتناسب معه؟ ترى لو أنک رجعت إلى بيتک فوجدت هدية قد جاء بها أحد، ألا تسأل أهلک عن هذا الشخص وعندما تُسأل لماذا تتحرى عن هذا الشخص فإنک تجيب بدون شک أريد أن أعرفه حتى أرد على إحسانه؟
الثاني: دفع الضرر ولو کان إحتمالاً: إن أحدنا لو سمع قبل قيامه بسفرة بأن هناک کميناً لمجموعة من قطاع الطرق تتصدى للمسافرين على هذا الطريق فإنه لا يرفع قدماً عن قدم حتى يتأکد من خلو الطريق منهم.
ونحن نعلم في تاريخ البشرية من وجود أشخاص عرفوا بالصدق والإستقامة وعرفوا أنفسهم بأنهم أنبياء الله ودعوا الناس للإعتقاد بذلک والعمل بکل ما يترتب عليه، وقد آمن کثير من الناس بهم، فهل من الصحيح أن نتغاضى عن أقوال وأفعال المتدينين الحقيقيين في العالم، فإذا کان الأمر کما أخبروا فما هو جوابنا في محکمة العدل الإلهي؟ ومن هنا وجب السعي لمعرفة أصول الدين والتفکير فيها برؤية وعمق حتى نکون في أمن ونجاة وحتى ندفع إحتمال الخوف المتوقع؟!
ب ـ النصوص الشرعية: وقد جاءت مؤکدة لما توصل إليه العقل ومنبهة على ذلک، من هذه النصوص:
قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض فإنظروا کيف بدأ الخلق). العنکبوت / 21، وقوله: (فاعلم أنه لا إله إلاّ الله). العنکبوت / 9
يقول الإمام علي (عليه السلام): أول الدين معرفته([2]).
وبعد إثبات وجوب المعرفة، يجدر بنا أن نتحدث عن الإدلة على وجود الله، وهذه الأدلة عديدة ومتنوعة وتختلف بإختلاف الناس ومستوياتهم وفيما يلي نماذج منها:
أ ـ دليل النظام: ونعني بالنظام هو الإئتلاف والإنسجام بين الأشياء بإتساق وترتيب بحيث يؤدي مهمة معينة، وعندما يکون النظام يستکشف من ورائه المنظم والمخطط، ولدى دراسة مفردات هذا العالم نجد أن النظام يسودها جميعاً وحينئذ لابد من ربط هذا العالم المنتظم بالمنظم الذي هو خالقه وموجده، وليس هو إلاّ الله، ومن مصاديق النظام وعدم الفوضى في العالم نذکر بعض ما جاء به علماء الطبيعة، يقول أحدهم:
هذه الأرض لو إبتعدت عن الشمس ضعف ما هي عليه الآن لنقصت کمية الحرارة التي نتلقاها من الشمس إلى ربع کميتها الحالية، ولقطعت الأرض دورتها حول الشمس في وقت أطول، ولتضاعف تبعاً لذلک طول فصل الشتاء، ولتجمدت الکائنات الحية على سطح الأرض، ولو نقصت المسافة بين الأرض والشمس إلى نصف ما هي عليه الآن لبلغت الحرارة التي تتلقاها الأرض أربعة أمثالها اليوم، ولتضاعفت سرعتها المدارية حول الشمس، ولصارت الحياة على سطح الأرض غير ممکنة([3]).
ب ـ دليل إحتياج الموجودات الممکنة إلى علة واجبة الوجود([4]): قبل شرح هذا الدليل ينبغي توضيح عدّة مصطلحات يتوقف عليها فهم الدليل:
ممکن الوجود: کل شيء ينطوي على إمکان الوجود وإمکان العدم، وهو کل ما عدا الله تعالى.
واجب الوجود: ضروري الوجود وممتنع العدم ولا يطلق إلاّ على الله تعالى فقط.
سبب إحتياج الموجود إلى علة: وذلک لأن العلة هي التي أوجدته من العدم، فوجوده متعلق ومرتبط بها وبهذا فليس الوجود الخارجي بصورة عامة محکوماً بمبدأ العلية، بل إنما يحکم مبدأ العلية على الوجودات التعلقية الممکنة التي تعبر في حقيقتها عن الإرتباط والتعلق.
قانون النهاية: وهو القانون القائل إن العلل المتصاعدة في الحساب الفلفسي التي ينبثق بعضها عن بعض، يجب أن يکون لها بداية، فلولم توجد لسلسلة العلل بداية لکانت الحلقات جميعاً معلولة، وإذا کانت معلولة فهي مرتبطة بغيرها، ويتوجه السؤال حينئذ عن الشيء الذي ترتبط به هذه الحلقات جميعاً.
شرح الدليل: إن سلسلة الأسباب في عالم الطبيعة إذا کان يوجد فيها سبب غير خاضع لمبدأ العلية ولا يحتاج إلى علة فهذا هو السبب الأول واجب الوجود أي الله تعالى الذي يضع للسلسلة بدايتها، مادام غير منبثق عن سبب اخر يسبقه، وإذا کان کل موجود في السلسلة محتاجاً إلى علة ـ طبقاً لمبدأ العلية ـ دون إستثناء، فالموجودات جميعاً تصبح بحاجة إلى علة، ويبقى سؤال لماذا منصباً على الوجود بصورة عامة، ولا يمکن أن نتخلص من هذا السؤال إلاّ بإفتراض سبب أول متحرر من مبدأ العلية، فإننا حينئذ ننتهي في تعليل الأشياء إليه، ولا نواجه فيه سؤال لماذا وجد؟ لأن هذا السؤال إنما نواجهه في الأشياء الخاضعة لمبدأ العلية خاصة.
ج ـ دليل الأنبياء: والأنبياء يدلون على الله تعالى وذلک من خلال:
المعجزة: وتعني الإتيان بأمر غير مألوف يعجز البشر عن الإتيان بمثله ولا يمکن نسبته إلى الصدفة أو إلى أية قوة من قوى الطبيعة، من ذلک ما جاء به موسى (عليه السلام) من العصا، وما جاء به عيسى (عليه السلام) من إحياء الموتى، وما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وهو القرآن المعجزة في بلاغته وتشريعه، وقد نسب هؤلاء الأنبياء ماجاؤا به لله تعالى ودعوا إليه.
السيرة العملية للأنبياء: حيث أنهم مثلوا الکمال والصلاح على سطح الأرض بشکل لا يتسنى للإنسان العادي لولا الرعاية الإلهية له.
إتفاق کلمتهم جميعاً: على أنهم سفراء وممثلون عن الله تعالى وأنهم دعاة إليه.
ثانياً: معرفة حقيقة الله تعالى: وهي غير ممکنة لکل المخلوقات: يا من لا يعلم کيف هو إلاّ هو([5])، وإستدل على عدم إمکانها:
أ ـ عقلاً: من ناحيتين:
الأولى: أن الإنسان عاجز عن معرفة حقائق المخلوقات فکيف يمکنه أن يدرک حقيقة الخالق، فمن يستطيع أن يدرک ما هي حقيقة الروح أو الکهرباء أو نفس المادة؟!
الثانية: أن الله يمثل اللامحدود في هذا الوجود والإنسان يمثل المحدود في قابلياته وأنى للمحدود أن يحيط بغير المحدود، وقد ثبت في الرياضيات أن نسبة المحدود إلى غير المحدود تساوي صفراً.
ب ـ شرعاً: وجاءت النصوص الشرعية تؤکد ما توصل إليه العقل من إستحالة إدراک الذات الإلهية.
قال تعالى: (ليس کمثله شيء). الشورى / 11
ويقول الإمام علي (عليه السلام): الذي لا يدرکه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن([6]).
عن أبي جعفر (عليه السلام): تکلموا في خلق الله ولا تتکلموا في الله، فإن الکلام في الله لا يزيد صاحبه إلاّ تحيراً([7]).
حقيقة الإيمان بالله تعالى([8]):
إن حقيقة الإيمان إنما تتحقق بالعناصر الآتية:
1 ـ العلم: إذا لم يعلم الإنسان بوجود شيء، فلا يمکنه الإيمان به، لذا خاطب القرآن النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: (فاعلم أنه لا إله إلاّ الله). محمد / 19
2 ـ الإعتقاد القلبي: وهو حالة التصديق بما علمه، قال تعالى: (وقالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولکن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبکم). الحجرات / 14
3 ـ الإلتزام العملي: بما علمه ومالت إليه نفسه، قال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذکر أو أنثى وهو مؤمن فاؤلئک يدخلون الجنّة). النساء / 24
وعن الرسول (صلى الله عليه وآله): الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان العقول([9]).
وبما تقدم يظهر فساد ما نُسب إلى الکرامية أنهم فسروا الإيمان بالإقرار باللسان فقط، ومن هنا يظهر بطلان عقيدة المرجئة التي کانت تزعم أن العمل لا قيمة له في الحياة الدينية، وتکتفي بالإيمان فقط، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): ملعون ملعون من قال: الإيمان قول بلا عمل([10]).
مراتب الإيمان بالله تعالى:
1 ـ مرتبة الإسلام: وهو التصديق بالله تعالى وتوحيده، ونبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فعن الإمام الصادق (عليه السلام): الإسلام شهادة ألاّ إله إلاّ الله والتصديق برسول الله (صلى الله عليه وآله) به حقنت الدماء وعليه جرت المناکح والمواريث وعليه ظاهر جماعة الناس([11]).
2 ـ مرتبة الإيمان: ويعني التصديق بما جاء به الدين الإسلامي في القلب واللسان وتجسيد ذلک بالجوارح وبعبارة أخرى الإلتزام بخطي الواجبات وترک المحرمات، فقد جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله): ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولکن الإيمان ما خلص في القلب وصدقه الأعمال([12]).
3 ـ مرتبة التقوى: وهي المرحلة التي يکون فيها المؤمن متوقياً لکل ما يحتمل إبعاده عن الله تعالى، فيجتنب الشبهات ويفعل المستحبات کا يترک المکروهات، سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن تفسير التقوى فقال: أن لا يفقدک الله حيث أمرک ولا يراک حيث نهاک([13]).
4 ـ مرتبة اليقين: وهي مرحلة الإحساس وإنکشاف الغطاء وتحول الغيب إلى الشهادة، فليس هناک وسوسة أو فراغ وإنما تواجد مستمر للقضية في الإحساس والشعور، يقول الإمام علي (عليه السلام): لو کشف الغطاء ما إزددت يقيناً([14]).
وقد وردت جملة من الأحاديث مشيرة إلى هذه المراحل من الإيمان، من ذلک ما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام): الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يقسم بين العباد شيء أقل من اليقين([15]).
کيف نقوي الإيمان بالله تعالى([16])؟
لا شک بأن الإيمان بالله قابل للزيادة والنقصان، وهو خاضع لجملة من العوامل تؤثر عليه قوة وضعفاً، وفيما يلي عرض جملة من الأساليب من شأنها تقوية الإيمان بالله وتعميقه، نذکر منها:
أ ـ الثقافة الإيمانية: المعرفة الواعية بالأفکار والمعلومات الإيمانية عن کل ما يربط الإنسان بالله تعالى في مجال العقيدة والتشريع بالإعتماد على المصادر الصحيحة المتمثلة بالقرآن والسنة المطهرة وما قام به العلماء والفقهاء من شروح وإستنباطات ملتزمة بهديهما، قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء). فاطر / 28
ب ـ ممارسة الشعائر الإسلامية: فإنها بمثابة الغذاء للمؤمن الذي ينمي لديه قوة الإيمان بالله تعالى ويصعد بوجوده نحو الکمال الإلهي، ومن مصاديق الشعائر الإسلامية: الصلاة، الصوم، الصدقة،... إلخ، قال تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). الحج / 32
ج ـ ذکر الله على کل حال: ونعني به عدم الغفلة عن معايشة الرقابة الإلهية والإلتفات إلى أن العبد هو دائماً في المحضر الإلهي، لذا يجب عليه أن يرعى حقوقه من حيث المبادرة نحو کل طاعة والإبتعاد عن کل معصية وأن يکون لسانه بذکره لهجاً من خلال تلاوة القرآن أو قراءة الدعاء أو أنواع الذکر الأخرى من التهليل والتسبيح والتحميد و... إلخ بما يناسب المقام، قال تعالى: (ألا بذکر الله تطمئن القلوب). الرعد / 28
د ـ تذکر الموت وحساب القبر: والمراحل التي سوف يواجهها الإنسان في الحياة الآخرة، وما أعد الله للمطيعين من نعيم وما أوعد به العاصين من عذاب أليم، فقد جاء في الحديث: اذکروا هادم اللذات([17])، والمراد بهادم اللذات هو الموت الذي يحول بين الإنسان وکل ما تحفل به حياته من لذات الأهل والمال والمنصب.
انتهای پیام
ملف المرفقات: