إرشادات أهل البيت عليهم السلام في کيفية تحصيل العلم
أرشد أهل البيت عليهم السلام إلى جملة من الأمور في طريق تحصيل العلم نذکر منها:
1- الکتابة
فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "قيّدوا العلم. قيل: وما تقييده؟ قال کتابته"1.
بل ورد عن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم: "إن المومن إذا مات وترک ورقة واحدة عليها علم، کانت تلک الورقة ستراً له فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تعالى بکل حرف مدينة أوسع من الدنيا وما فيها2.
2ـ المذاکرة
وهي تتحقق باجتماع مجموعة من الطلاب فيقوم أحدهم بدور الأستاذ فيعرض الدرس شارحاً له، بينما يستمع الباقون إليه بإنصات.
ولا يخفى ما لهذه المذاکرة من أثر في ترسـيخ الـدروس عنـد الطلاب لا سيما المتصدي لشرح الدرس، کما لا يخفى دورهـا في تمتين لغة العرض، وضبط المطلب العلمي لدى الطالب مما يوهلـه للتعليم بجدارة.
وقد أشار أهل البيت عليهم السلام إلى ثواب المذاکرة التي اعتبرها نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم کتسبيح الله تعالى فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على کل مسلم فاطلبوا العلم في مظانّه واقتبسوه من أهله، فإن تعلّمه لله تعالى حسنة، وطلبه عبادة، والمذاکرة به تسبيح"3.
وعن الباقر عليه السلام: "رحم الله عبداً أحيى العلم، فقيل: وما إحياوه؟ قال: أن يذاکر به أهل الدين والورع"4.
3ـ الحفظ
فقد ورد أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ما العلم؟
فقال: الإنصات، قال: ثم مه يا رسول الله؟
قال: الاستماع، قال: ثم مه يا رسول الله؟
قال: الحف1 قال: ثم مه يا رسول الله؟
قال: العمل به، قال: ثم مه يا رسول الله؟
قال: نشره5.
مانع الحفظ
قال علي بن حشرم: شکوت إلى وکيع قلة الحف1 فقال: استعن على الحفظ بقلة الذنوب.
وقد نظم بعضهم ذلک في بيتين فقال:
شکوت إلى وکيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترک المعـــاصي
وقــال اعــلم بـأن العلــم فضـل وفضل اللـه لا يوتـاه عـاصي6
وقت الحفظ ومکانه:
قال الشهيد الثاني: "ومما قالوه ودلَّت عليه التجربة إن حفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، والمکان البعيد عن الملهيات کالأصوات وقوارع الطرق التي تکثر فيها الرکاب، لأنها تمنع من خلو القلب وتقسمه على حسب تلک الحالات"7.
4ـ السوال
فقد تخطر في ذهن الطالب أسئلة يبقى معها حائراً لا يعرف جوابها إلاّ أن يخرجها بسوال العالم، وبالجواب يفتح قفل العلم، فالمعلِّم حينما يشرح الدرس قد لا يعرف في کثير من الأحيان السبب في عدم وصول المطلب إلى التلميذ، فإذا سأل التلميذ بانَ السبب وانقضى العجب. من هنا حثَّ أهل البيت عليهم السلام على السوال مبيِّنين أجراً عليه ففي الحديث:
"العلم خزائن والمفاتيح السوال، فاسألوا رحمکم الله فإنما يوجر أربعة: السائل، والمتکلم، والمستمع، والمحبّ لهم".
وقد ذُمَّ الطالب الذي يستنکف عن السوال استحياءً فيبقى في حالة الجهل.
وقد قيل: من استحيى من المسألة لم يستحِ الجهل منه.
وأنشد الشاعر:
وليـــس العمــى طـــول الســــوال وإنمـــا تمام العمى طول السکوت على الجهل
وقد صدق أبو عبد الله الصادق عليه السلام حينما قال: "إنما يهلک الناس لأنهم لا يسألون"8.
5ـ مجالسة العلماء
ففي حديث أمير المومنين عليه السلام عن العلم وفضائله قال: "... ورجله زيارة العلماء"، ثم قال: "... وجيشه مجاورة العلماء"9.
بل ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من جلس عند العالم ساعة ناداه الملک جلست إلى عبدي، وعزتي وجلالي لأُسْکنَنَّک الجنة ولا أبالي"10.
ومن لطيف ما ورد في مجالسة العلماء معالجة الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء أبي حمزة الثمالي لقضية التراجع الروحي عند الإقبال في عبادة الله تعالى: إذ يعتبر الإمام عليه السلام إن عدم مجالسة العلماء سببٌ لهذا التراجع فيقول عليه السلام:
"... ما لي کلَّما قلتُ قد صلحت سريرتي وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية أزالت قدمي، وحالت بيني وبين دمتک".
"... سيدي... لعلَّک وجدتني في مقام الکاذبين فرفضتني أو لعلک رأيتني غير شاکر لنعمائک فحرمتني أو لعلک فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني.."11.
المصادر:
1- الشهيد الثاني، منية المريد، ص129.
2- المصدر السابق، ص173.
3- الشهيد الثاني، منية المريد، ص28.
4- المصدر السابق، ص68.
5- المصدر السابق، ص52.
6- الشهيد الثاني، منية المريد، ص101.
7- المصدر السابق، ص128.
8- الشهيد الثاني، منية المريد، ص71.
9- المصدر السابق، ص53.
10- المصدر السابق، ص173.
11- القمي، مفاتيح الجنان، نشر دار الأضواء، بيروت، ص245.
|