من التساؤلات المهمّة المطروحة في هذا المجال هو: لماذا هذه الغيبة، ولماذا الانتظار، ولماذا أمرنا في الأدعية بأن نطلب من الله تعالى التعجيل في ظهور الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولماذا نطلب منه بين الحين والآخر أن يتدخّل، وأن يقوم بعمل مباشر في سبيل إنقاذنا من المآسي المحيطة بنا؟
إنّ مثل هذه التساؤلات، ومثل هذه الأدعية التي أمرنا أن نقرأها بشأن الإمام المهديّ عليه السلام تدلّ دلالة واضحة على أنّه عليه السلام بإمکانه أن يتدخّل بشکل ماديّ ملموس في سبيل الحيلولة دون وقوع بعض الأحداث التي من شأنها أن تجر الويل والدمار على البشرية. ومن يدري لعلّه عليه السلام قد تدخّل لحدّ الآن في الکثير من الأحداث فحال دون وقوعها، وأنقذ البشرية لمرّات عديدة من أخطار محدقة کادت تؤدي بها. ولذلک فقد جاء التأکيد في الروايات على أنّه: "لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها". (1)
حکمة وجود الإمام المهدي عليه السلام
ونحن نعلم أنّ الطغيان الماديّ المتـزايد في الکون هو نتيجة لبعد الإنسان عن مبدأ التشريع وعن نهج الأنبياء والأئمة عليهم السلام. فالبشرية لم يکن بمستطاعها أن تقفز قفزات روحيّة وأخلاقية إلاّ من خلال الأنبياء عليهم السلام. وفي هذا المجال يقول القرآن الکريم: کَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ (البقرة/213)، وقد جاء في التفسير: أنّ المراد من أنّ الناس کانوا أمّة واحدة أنّهم کانوا على باطل بأجمعهم، فلم يکن بإمکانهم أن يهتدوا إلاّ من خلال الأنبياء الذين کانوا يضمنون تحقّق حالة التوازن والتعادل بين الخير والشر، بحيث لا يطغى الفساد على الإصلاح والشرّ على الخير. وهذه هي حکمة وجود الإمام الحجة عجل الله فرجه في الأرض رغم أنّه مغيّب عن شيعته.
فليلة القدر بالإضافة إلى کونها الليلة التي نزل فيها القرآن الکريم – هي ليلة تجديد العهد والميثاق مع الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه. وقد جاء في الروايات التأکيد على أنّه عليه السلام يطّلع في هذه الليلة على أعمال شيعته، فيفرح إن کانت متّجهة الى الصلاح، ويحزن إن کان الجانب الدنيوي هو الطاغي عليها.
فلنحاول أن نجعل من ليلة القدر منطلقاً لتغيير أنفسنا، وإعدادها لليوم الموعود وذلک من خلال الالتزام بالبرامج الأخلاقية والتربوية التي ترفعنا في مدارج الکمال، وتصفّي أنفسنا من الصفات الأخلاقية السلبيّة، وتجعلنا بالتالي مهيّئين وجديرين لأن نکون جنوداً أوفياء، وأنصاراً مخلصين لإمام العصر في يوم ظهوره الأعظم.
أعمال ليلة القدر
1- إحياؤها
عن الإمام محمد الباقر عليه السلام، عن آبائه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أن يغفل عن ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، أو ينام أحد تلک الليلة. (2)
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: من أحيى ليلة القدر غفرت له ذنوبه، ولو کانت ذنوبه عدد نجوم السماء، ومثاقيل الجبال، ومکائيل البحار.(3)
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: من وافق ليلة القدر فقامها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. (4)
قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله کان يطوي فراشه، ويشد مئزره، في العشر الأواخر من شهر رمضان، وکان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين، وکان يرش وجوه النيام بالماء، في تلک الليلة؛ وکانت فاطمة عليها السلام، لا تدع أحداً من أهلها ينام تلک الليلة، وتداويهم بقلّة الطعام، وتتأهب لها من النهار، وتقول: محروم من حرم خيرها. (5)
وجاء في کتاب "فقه الرضا" عليه السلام: وإن استطعت أن تحيي هاتين الليلتين الى الصبح فافعل، فإن فيها فضلاً کثيراً، والنجاة من النار، وليس سهر ليلتين يکبر فيها أنت تؤمل. وقد روي أن السهر في شهر رمضان، في ثلاث ليال؛ ليلة تسع عشرة، في تسبيح ودعاء، بغير صلاة، وفي هاتين الليلتين، أکثروا من ذکر الله جل وعز. (6)
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: من أحيى ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان وصلّى فيها مأة رکعة، وسع الله عليه معيشته. (7)
عن عليّ بن أبي حمزة الثمالي قال: کنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له أبو بصير: جعلت فداک الليلة التي يرجى فيها ما يرجى؟ فقال: في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين قال: فإن لم أقو على کلتيهما؟ فقال: ما أيسر ليلتين فيما تطلب قلت: فربّما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلک من أرض أخرى فقال: ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها، قلت: جعلت فداک ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجهني، فقال: إنَّ ذلک ليقال، قلت: جعلت فداک إنَّ سليمان بن خالد روى في تسع عشرة يکتب وفد الحاج، فقال لي: يا أبا محمد وفد الحاج يکتب في ليلة القدر والمنايا والبلايا والأرزاق وما يکون الى مثلها في قابل؛ فاطلبها في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وصلِّ في کلِّ واحدة منهما مائة رکعة وأحيهما إن استطعت الى النور واغتسل فيهما، قال: قلت: فإن لم أقدر على ذلک وأنا قائم؟ قال: فصلِّ وأنت جالس، قلت: فإن لم أستطع؟ قال: فعلى فراشک، لا عليک أن تکتحل أوّل الليل بشيء من النوم، إنَّ أبواب السماء تفتح في رمضان وتصفّد الشياطين وتقبل أعمال المؤمنين؛ نعم الشهر رمضان کان يسمّى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله المرزوق. (8)
2- الغسل
قال الإمام موسى بـن جعفر عليهما السلام: من اغتسل ليلة القدر وأحياها الى طلوع الفجر خرج من ذنوبه. (9)
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: اغتسل ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، واجتهد أن تحييهما. (10)
عن ابن بکير قال: سألت أبا عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام عن الغسل في رمضان، وأي الليل أغتسل؟ قال: تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاثة وعشرين. (11)
3- صلاة رکعتين
عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: من صلّى رکعتين في ليلة القدر، فيقرأ في کل رکعة فاتحة الکتاب مرة، وقل هو الله أحد سبع مرات، فإذا فرغ يستغفر سبعين مرة؛ فما دام لا يقوم من مقامه حتى يغفر الله لـه ولأبويه، وبعث الله ملائکة يکتبون له الحسنات الى سنة أخرى، وبعث الله ملائکة الى الجنان يغرسون له الأشجار ويبنون له القصور ويجرون له الأنهار، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى ذلک کله. (12)
4- افتح القرآن واقرأ الدعاء التالي:
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام تأخذ المصحف في ثلاث ليالي من شهر رمضان فتنشره وتضعه بين يديک وتقول: "اللهم إني أسألک بکتابک المنـزل وما فيه، وفيه اسمک الأکبر، وأسماؤک الحسنى، وما يخاف ويرجى، أن تجعلني من عتقائک من النار". وتدعو بما بدا لک من حاجة. (13)
5- ضع القرآن على رأسک واقرأ الدعاء التالي:
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: خذ المصحف فدعه على رأسک، وقل: "اللهم بحق هذا القرآن، وبحق من أرسلته به، وبحقِّ کلِّ مؤمن مدحته فيه، وبحقک عليهم فلا أحد أعرف بحقک منک، بک يا الله – عشر مرات- ثم تقول: بمحمد – عشر مرات- بعلي – عشر مرات – بفاطمة – عشر مرات – بالحسن – عشر مرات- بالحسن – عشر مرات – بالحسين –عشر مرات – بعلي بن الحسين – عشر مرات – بمحمد بن علي – عشر مرات – بجعفر بن محمد – عشر مرات- بموسى بن جعفر – عشر مرات – بعلي بن موسى – عشر مرات – بمحمد بن علي – عشر مرات – بعلي بن محمد – عشر مرات – بالحسن بن علي – عشر مرات – بالحجة – عشر مرات- وتسأل حاجتک". (14)
6- قراءة سورة العنکبوت والروم
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام قال: من قرأ سورة العنکبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو والله يا أبا محمد من أهل الجنة، ولا أستثني فيه أحداً، ولا أخاف أن يکتب الله عليَّ في يميني إثماً، وإن لهاتين السورتين من الله مکاناً. (15)
7- زيارة الإمام الحسين عليه السلام
عن عبد العظيم الحسني، عن أبي جعفر الثاني (الإمام عليه السلام) في حديث قال: من زار الحسين عليه السلام ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وهي الليلة التي يرجى أن تکون ليلة القدر وفيها يفرق کل أمر حکيم، صافحه روح أربعة وعشرين ألف ملک ونبي، کلهم يستأذن الله في زيارة الحسين عليه ا لسلام في تلک الليلة. (16)
عن أبي الصباح الکناني، عن أبي عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام، قال: إذا کان ليلة القدر يفرق الله عز وجل کلّ أمر حکيم، نادى مناد من السماء السابعة من بطنان العرش أن الله عز وجل قد غفر لمن أتى قبر الحسين عليه السلام. (17)
8- قراءة سورة القدر ألف مرة
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: لو قرأ رجل ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان إنا أنزلناه في ليلة القدر ألف مرة، لأصبح وهـو شديد اليقين بالاعتراف بما يختص فينا، وما ذاک إلاّ لشيء عانيه في نومه. (18)
9- اطلب الحج
قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: سلوا الله الحج في ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، وفي تسع عشرة، وفي إحدى وعشرين، وفي ثلاث وعشرين، فإنه يکتب الوفد في کل عام ليلة القدر، وفيها يَفْرق کُل أمر حَکيمْ. (19)
10- صلاة مائة رکعة
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: من أحيى ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان وصلى فيه مائة رکعة وسع الله عليه معيشته في الدنيا، وکفاه أمر من يعاديه، وأعاذه من الغرق والهدم والسرق ومن شرّ السباع، ودفع عنه هو منکر ونکير، وخرج من قبره نور يتلالأ لأهل الجمع، ويعطى کتابه بيمينه، ويکتب له براءة من النار وجواز على الصراط وأمان من العذاب، ويدخل الجنة بغير حساب، ويجعل فيها من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئک رفيقاً. (20)
عن سليمان الجعفري قال: قال أبو الحسن عليه السلام، صلِّ ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين مائة رکعة تقرأ في کل رکعة الحمد لله مرة، وقل هو الله أحد عشر مرة. (21)
11- أدعية مأثورة
وعن النبي صلى الله عليه وآله، أنه أمر بدعاء مفرد في کل ليلة من لياليه، فقال: "ادعوا في الليلة الثالثة من العشر الأواخر من شهر رمضان، وقولوا: يا ربّ ليلة القدر، وجاعلها خيراً من ألف شهر؛ ورب الليل والنهار، والجبال، والبحار، والظلم والأنوار، لک الأسماء الحسنى، أسألک أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء، وروحي مع الشهداء، وارزقني فيها ذکرک وشکرک". (22)
دعاء آخر في هذه الليلة مروي عن النبي صلى الله عليه وآله: "سبحان من لا يموت، سبحان من لا يزول ملکه، سبحان من لا يخفى عليه خافية، سبحان من لا تسقط ورقة إلاّ بعلمه، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في کتاب مبين إلاّ بعلمه وبقدرته، فسبحانه سبحانه سبحانه سبحانه سبحانه سبحانه ما أعظم شأنه، وأجل سلطانه، اللهم صلِّ على محمد وآله، واجعلنا من عتقائک، وسعداء خلقک بمغفرتک، إنک أنت الغفور الرحيم". (23)
روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه کان يدعو به في ليالي الافراد قائماً وقاعداً وراکعاً وساجداً:
"اللهم إني أمسيت لک عبداً داخراً، لا أملک لنفسي نفعاً ولا ضراً، ولا أصرف لها سوءاً، أشهد بذلک على نفسي، واعترف لک بضعف قوتي وقلة حيلتي، فصل على محمد وآل محمد، وأنجز لي ما وعدتني وجميع المؤمنين والمؤمنات من المغفرة في هذه الليلة، وأتمم عليَّ ما آتيتني، فإني عبدک المسکين المستکين، الضعيف الفقير المهين. اللهم لا تجعلني ناسياً لذکرک فيما أوليتني، ولا لإحسانک فيما أعطيتني، ولا آيساً من إجابتک وإن أبطأت عني، في سراء کنت أو ضراء، أو في شدة أو رخاء، أو عافية أو بلاء، أو بؤس أو نعماء، إنک سميع الدعاء". (24)
دعاء الإمام علي بن الحسين عليهما السلام في ليلة القدر:
"يا باطناً في ظهوره، ويا ظاهراً في بطونه، يا باطناً ليس يخفى، يا ظاهراً ليس يرى، يا موصوفاً لا يبلغ بکينونيته موصوف، ولا حد محدود، يا غائباً غير مفقود، ويا شاهداً غير مشهود، يطلب فيصاب ولم تخلُ منه السماوات والأرض وما بينهما طرفة عين، لا يدرک بکيف، ولا يؤيّن بأين، ولا بحيث، أنت نور النور، ورب الأرباب، أحطت بجميع الأمور، سبحانه من ليس کمثله شيء وهو السميع البصير، سبحانه من هو هکذا ولا هکذا غيره". (25)
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: تقول في العشر الأواخر من شهر رمضان في کلّ ليلة: "أعوذ بجلال وجهک الکريم أن ينقضي عنّي شهر رمضان أو يطلع الفجر من ليلتي هذه ولک قبلي ذنب أو تبعة تعذبني عليها". (26)
المصادر :
1- (73) بحار الأنوار، ج36، ص259.
2- مستدرک الوسائل، ج7، ص468.
3- بحار الأنوار، ج95، ص146.
4- بحار الأنوار، ج94، ص9.
5- مستدرک الوسائل، ج7، ص470.
6- مستدرک الوسائل، ج7، ص466.
7- وسائل الشيعة، ج7، ص262 – کتاب الصوم من باب32، ح13.
8- الفروع من الکافي، ج4، ص156-157.
9- وسائل الشيعة، ج7، ص262- کتاب الصوم، باب32، ح11.
10- بحار الأنوار، ج94، ص8.
11- بحار الأنوار، ج94، ص12.
12- بحار الأنوار، ج95، ص145.
13- بحار الأنوار، ج94، ص4.
14- بحار الأنوار، ج95، ص146.
15- بحار الأنوار، ج94، ص19.
16- بحار الأنوار، ج95، ص166.
17- بحار الأنوار، ج95، ص166.
18- بحار الأنوار، ج95، ص165.
19- مستدرک الوسائل، ج7، ص468.
20- بحار الأنوار، ج95، ص168.
21- بحار الأنوار، ج94، ص16.
22- مستدرک الوسائل، ج7، ص467.
23- بحار الأنوار، ج95، ص148.
24- بحار الأنوار، ج95، ص121-122.
25- بحار الأنوار، ج95، ص165.
26- الفروع من الکافي، ج4، ص160.
|