۱۳۹۳/۱۱/۱۷   2:34  بازدید:2669     المقالات

بسم الله الرحمن الرحیم
الإمام الخميني (قدّس سرّه) والثورة الإسلامية

 


الإمام والثورة 
في هذه المناسبة سأتحدث عن الإمام والثورة العملاقة والفريدة التي أرساها کالطود في هذا العالم وهذا التاريخ المعاصر. وفي الحقيقة ليس ثمة فارق فيما بين الحديث عن الإمام والحديث عن الثورة؛ فرغم أن إمامنا العظيم کان شخصية بارزة ومرموقة في جوانب متعددة؛ فلقد کان عالماً فذاً، فقيهاً له مدرسته، فيلسوفاً مرموقاً، سياسياً ومصلحاً اجتماعياً عملاقاً، وقد کان من الناحية الروحية ذا مناقب ومزايا راقية قلَّ نظريها، وهذه بأجمعها هي التي ترفع من شخصية الإمام في أنظار أهل زمانه والأزمنة اللاحقة، بيد أن شخصية إمامنا العظيم لا تنحصر في هذه الخصوصيات المرموقة ولا تقتصر على هذه الخصال، فثمة بعدٌ آخر في شخصيته عبارة عن المبادئ والخطوط الواضحة التي أرساها في هذا البلد وفي هذه المنطقة على مرأىً من شعوب العالم، وعلى أساسها أقام نظاماً سياسياً واجتماعياً وأحيا بها آمالاً کبيرة في قلوب مستضعفي العالم والأمة الإسلامية؛ فشخصية الإمام ليست بمعزلٍ عن مبادئه الأساسية، وفي الحقيقة فإن هوية ثورتنا وأصولها تشکّل الخطوط البارزة لشخصية الإمام أيضاً، وکلّما تحدثنا عن الثورة فإنما نتحدث عن الإمام في واقع الأمر. 

ميزة الثورة الإسلامية 
إن ميزة الثورة الإسلامية العملاقة، التي جعلت منها ظاهرة فريدة على مرّ القرون الأخيرة في أنظار المراقبين والخبراء، لم تکن قد شوهدت من قبلُ في أيِّ من الثورات الکبرى في العالم، لا في الثورة الفرنسية، ولا في الثورة الشيوعية السوفيتية، ولا في الثورات الصغرى التي کانت تتحرک تبعاً لهاتين الثورتين وعلى خطاهما. فعليکم أن تعرفوا أنّ دأب سياسات الهيمنة قد ترکّز ومازال على تمييع الحرکات الشعبية الناشدة للعدالة في شتى بقاع العالم في بوتقتها السياسية والثقافية، وهي في الواقع إنما تقضي على هوية هذه الحرکات؛ وهذا ما حصل في إيران أيضاً؛ فالحرکة الناشدة للعدالة التي انطلقت في إطار الحرکة الدستورية بإيران قبل مئة عامٍ کانت حرکة شعبية ودينية، فقام الخط السياسي المهيمن على العالم يومذاک ـ أي الانجليز ـ بتذويب هذه الحرکة القائمة على المبادئ الإسلامية في بوتقته السياسية والثقافية ومسخها وتحويلها إلى حرکة دستورية على الطراز الانجليزي، فکانت عاقبة ذلک أنْ آلت الحرکة الدستورية ـ وهي حرکة مناهضة للاستبداد ـ إلى قيام دکتاتورية رضا خان التي فاقت دکتاتورية القاجاريين سوءاً وشقاءً وقساوةً. 
وهکذا شأن حرکة تأميم النفط التي التحقت على أيدي القائمين عليها بليبرالية أمريکا، فأضحت النتيجة أنْ غدر الأمريکيون أنفسهم بنهضة التأميم وتواطأوا مع الإنجليز الذين کانوا يمثلون الجهة التي تقف بوجه النهضة الناشدة للعدالة في إيران، وقضوا على حرکة التأميم.. وعلى أثرها ألقت دکتاتورية محمد رضا القاسية والسوداء بظلالها الثقيلة على هذا البلد وهذا الشعب معرّضةً إيّاه للضغوط على مدى بضعٍ وثلاثين سنة. فيما صودرت الثورات الناشدة للعدالة لشعوب آسيا وأفريقيا التي دامت عشرات السنين من قبل الشيوعيين وسياسة الهيمنة للاتحاد السوفيتي السابق، وانتهت إلى الدکتاتوريات التي کانت تعمل لصالح الاتحاد السوفيتي. هذا هو المنهج المتبع عالمياً مع الحرکات الشعبية التي تنشد العدالة. 
کانت براعة إمامنا العظيم في أنه وضع إطاراً متماسکاً لهذه الثورة ولم يسمح بذوبانها في بوتقة القوى والخطوط السياسية السلطوية، فکان مغزى شعار "لا شرقية لا غربية جمهورية إسلامية" أو شعار "استقلال حرّية جمهورية إسلامية" ـ اللذين رسمتهما تعاليم الإمام وإرشاداته على شفاه الجماهير ـ أنّ هذه الثورة ترتکز إلى أصول ثابتة وصلبة لا صلة لها بالمبادئ الاشتراکية في المعسکر الشرقي يومذاک ولا بأصول الرأسمالية الليبرالية للمعسکر الغربي. وهذا هو السبب في ما أبداه الشرق والغرب من عداء وتزمّت إزاء هذه الثورة. 
لقد أقيمت هذه الثورة على قواعد صلبة، فجعلت من تطبيق العدالة والحرّية والاستقلال ـ وهي من أهم القيم بالنسبة للشعوب ـ ومن المعنويات والأخلاق غايتها. هذه الثورة مزيج من الدعوة للعدالة والتحرر وحاکمية الشعب والمعنويات والأخلاق، ولکن ينبغي عدم الخلط بين هذه العدالة وبين العدالة المزعومة الوهمية التي کان شيوعيو الاتحاد السوفيتي السابق أو الدول التي کانت تدور في فلکه يرفعون شعارها؛ فهذه عدالة إسلامية لها تعريفها الخاص بها، وکذا ينبغي عدم التشبيه بين الحرّية في نظام الجمهورية الإسلامية وحرّية الغرب بما تعنيه من إطلاق عنان السلطويين والأثرياء ومن تحلل في سلوکيات البشر وأفعالهم؛ فهذه حرّية إسلامية تنطوي على حرّية اجتماعية ومعنوية وفردية لها قيودها وإدراکها وهديها ومفهومها الإسلامي. کما ينبغي عدم الخلط بين المعنويات والأخلاق التي جعلتها الجمهورية الإسلامية من مبادئها وبين حالات التديّن المتحجر الخالي من المنطق والجامد الذي يسود الکثير من المجتمعات، وهو تديّن قشري يطفو على اللسان فقط ويشوبه الجمود وعدم تلمّس طريق السعادة للمجتمع والإنسان. فقيد "الإسلامية" هذا الذي يأتي بعد العدالة والحرّية والمعنويات ثرّ في مغزاه، ولابد من العناية به. 
هذه المبادئ انبرى الإمام لبيانها أمام الجماهير والواعين قبل انتصار الثورة، وعلى أساسها أرسى الجمهورية الإسلامية بعد انتصار الثورة، وظلّ متمسکاً بهذه المبادئ وجاهد من أجلها مادام على قيد الحياة. 
ولهذا فقد استطاعت الجمهورية الإسلامية کظاهرة عصرية فريدة إحياءَ الآمال في قلوب المسلمين، حيث أدرک الجميع في أرجاء العالم الإسلامي وخارجه أنها ليست نسخة تقليدية لما کانوا سمعوا من شعارات أطلقتها الألسن المتزلزلة لأنظمة الشرق أو الغرب، بل هي ظاهرة عصرية تتميز بحيويتها واقتدارها وحداثة حرکتها. وعليه فمع قيام الجمهورية الإسلامية تجددت الحرکة والآمال في نفوس المسلمين في ربوع العالم الإسلامي. وهکذا في الوقت الحاضر؛ فالأمل الذي أحياه النظام الإسلامي في قلوب المسلمين مايزال حياً بالرغم من السموم والعراقيل التي تفتعلها أبواق الدعاية الاستکبارية ضد الجمهورية الإسلامية على الصعيد العالمي، وقد وضع المثقفون المسلمون والشبيبة المسلمة والأجيال الناهضة في البلدان الإسلامية هذا المعْلَم اللاحب الزاخر بالأمل نصب أعينهم. 
إنّ الغاية من کل هذه المحاولات التي تبذلها مراکز الهيمنة الدولية والسياسات الاستکبارية ـ وعلى رأسها أمريکا ـ ضد الجمهورية الإسلامية هي أنهم يحاولون القضاء على هذه الجهود وهذا المنهل لعلمهم بعجزهم عن بثّ روح اليأس لدى شعوب العالم التي تنشد العدالة والحق مادام هذا النبع متدفقاً ومادام مهد هذا الفکر حياً، لذا فإنهم يسعون للقيام بأحد أمرين: إمّا القضاء على هذا النبع قضاءً کلياً، وإمّا السعي لاستلاب ماهيّة الجمهورية الإسلامية.. ولعلمهم بتعذّر الأول في ظل وعي الشعب ويقظته، فإنهم يقومون باستبدال التوجهات وتشويه المفاهيم التي تعدّ من مسلّمات وبيّنات الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية، وإن بقيت محافظة على ظاهرها. 
إنهم مافتئوا يروّجون على الصعيد العالمي أن الجمهورية الإسلامية تسير نحو الضعف والزوال يوماً بعد يوم، وهذا من الدعايات الدائمية لأعداء هذه الثورة وهذا النظام؛ ولعلّ من السذّج مَنْ يصدقها، وربما تدخل هذه الدعايات الفتور والحزن والأسى لدى بعض الأصدقاء في أرجاء المعمورة، وتدخل السرور على الأعداء، لکن ذلک ليس نبوءَة تاريخية ولا هو تکهن علمي بل هو مؤامرة إعلامية؛ فإذا کانت الثورة الإسلامية قد أصابها الضعف والهرم والعجز فلماذا ينفقون المليارات لمواجهتها؟! وإذا کانت الثورة الإسلامية قد لفظت أنفاسها فلماذا تلقي أمريکا بکل ثقلها السياسي والإعلامي في ساحة المواجهة مع هذه الثورة وتزداد عنجهية في منطقها يوماً بعد يوم؟! کلا، فهذه الثورة حيّة وعارمة وماضية إلى الأمام، وکذلک مازالت حرکة الثورة وخطوطها الأساسية حيّة. 

مبادئ الإمام هي مبادئ الإسلام 
سأتطرق إلى ما ينبغي للشعب الإيراني معرفته ـ وقد أثبت معرفته به على مدى السنوات الثلاث والعشرين الماضية والحمد لله ـ، وکذلک سأتطرق إلى ما ينبغي لأعداء هذه الثورة وهذا الشعب معرفته: 
فما يعلمه شعبنا وعليه التمسک به جيداً ـ وقد تمسک به لحدّ الآن والحمد لله ـ هو أن خلاص هذا البلد وبلوغه المستوى الذي يجدر بهذا الشعب إنّما يتيسر في ظل الإسلام والجمهورية الإسلامية والنظام الإسلامي وحسب؛ وليعلم الشباب الذين لم يُدرکوا مرحلة انتصار الثورة ولم تُبصر أعينهم سنوات ما قبل الانتصار أنه لولا الثورة الإسلامية وإمامنا العظيم ولو لم يرفع الإسلام راية الثورة والتغيير في هذا البلد لما کان هنالک أمل في استئصال السلطة الجهنمية للامتهان الأمريکي والحکومة الدکتاتورية البهلوية القاسية عن هذا البلد؛ فلقد جرى اختبار کافة السبل في وطننا ففشلت وأخفقت بأجمعها؛ ففي فترة من الزمن أطلّت مختلف الأحزاب السياسية والتيارات الموالية للشرق والغرب والحرکات المسلحة برأسها داخل البلاد، لکن أيّاً منها لم يفلح في تقديم شيء لهذا الشعب؛ لذلک فقد ازداد القمع والاضطهاد وطأةً في الوطن، حتى إن الشباب عندما أقدموا على الکفاح المسلح جرى قمع تلک الحرکات المسلحة بشدّة، وتفاقمت هيمنة النظام البهلوي، فاستحوذ اليأس على القلوب شيئاً فشيئاً؛ والشعب هو القوة التي کان بمقدورها الوقوف بوجه النظام البهلوي بالمعنى الحقيقي للکلمة؛ أي کان على الشعب بأسره النزول إلى الساحة کي يفلح في دحر النظام البهلوي الفاسد العميل الدکتاتوري والجائر ومن خلفه أمريکا؛ ولم يکن ثمة محفل أو مرکز في إيران له القدرة على تعبئة الشعب سوى علماء الدين وحاملي رايته عبر رفعهم لشعار الدين، وهذه تجربة طويلة شهدها بلدنا، يجب التمعن بها بعين الدقة. 
فعلى صعيد الحرکة الدستورية، لولا العلماء لما قامت هذه الحرکة ولا قدّر لها بلوغ النصر؛ وحينما أقصى المتغربون وصنائع الإنجليز في إيران علماء الدين والشعارات الدينية عادت هيمنة الاستبداد والتسلط والنفوذ الأجنبي. وکذا الحال في حرکة تأميم النفط، إذ کان للشعب حضوره في الساحة مادام علماء الدين وسط الميدان ـ حيث کان المرحوم آية الله الکاشاني من أبرز محاور الکفاح ـ ولکن حينما سحبت يد عالم خبير وواعٍ وشجاع نظير المرحوم الکاشاني، بسبب سوء التصرف وشذوذ الطبائع وحبّ التفرّد، انسحبت الجماهير أيضاً وبقي قادة الحرکة الوطنية لوحدهم، فصنع العدو معهم ما يحلو له. 
طالما نزل الشعب في إيران إلى الساحة بنداءٍ من الدين، ففي ظلاله وجد العدالة، وحيثما کان العلماء الطليعة في أي تطورٍ لم يتخلَّ عنهم الشعب وذلک لثقته بهم؛ ولذا فحينما اقتحم إمامنا العظيم الميدانَ کمرجعٍ وعالم دين، وإنسانٍ مجرَّب، طاهر صادق راسخ العزيمة، وتبعه العلماء في اقتحام الميدان، نزلَ الشعب بأسره إلى الساحة ولم يعد بمقدور العدو المقاومة.. يومذاک نجح الحضور الجماهيري في استئصال جذور الاستبداد من الوطن. 
أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء، إن الاستبداد في بلادنا کان على الدوام معتمداً على مساندة القوى السلطوية الأجنبية؛ فاستبداد الحکم البهلوي ودکتاتوريته وطغيانه، ومن قبله الحکم القاجاري بأسلوب آخر، إنّما قام بسبب اعتماده على القوى الأجنبية؛ فرضا خان کان معتمداً على الإنجليز، ومحمد رضا کان في البداية معتمداً على الانجليز ومن ثم اعتمد على أمريکا، فکان يضمن للأمريکان مصالحهم ونفوذهم، وهم يقومون أيضاً بحمايته، وکانوا يفعلون بهذا البلد ما يشاؤون، فأخضعوا الشعب لوطأة الاضطهاد خمسين عاماً؛ وأوقفوا عجلة تطوره العلمي والصناعي والثقافي والأخلاقي في مرحلة کانت المثلى من بين المراحل وأکثرها نضجاً لبلوغ هذا التطور على الصعيد الدولي، وأبقوا على هذا الشعب وهذا البلد متخلفاً، وکان جلّ همّهم في حياة الدعة والرفاهية وجمع الثروات وتقديم الخدمة لأسيادهم الأجانب، وهؤلاء إنّما استتبّ لهم الأمر بشکل تام في إيران عبر اعتمادهم على القوى الأجنبية، ولم يکن شأن أيّ کان اجتثاثهم وتحطيم هذا البناء الأعوج الضار المليء باللعنة والبغضاء والشؤم؛ فأطلّ الإمام العظيم حاملاً راية الهدى الإسلامية.. ولذا فإن مبادئ الإمام هي مبادئ الإسلام، وعدالته عدالة الإسلامية، وحاکمية الشعب التي جاء بها هي حاکمية الشعب الإسلامية. 
من أنکى الاجحاف بحق إمامنا العظيم ونظامنا الإسلامي هو اتهام وسائل الدعاية الاجنبية للإمام والنظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية بالاستبداد والبعد عن حاکمية الشعب.. فإنه لمّا انتصرت هذه الثورة بما هي عليه من عظمة وقوة في إيران، أجري أول استفتاء شعبي على يدي الإمام مما لا سابقة له في أي ثورة؛ فانظروا أن أي انقلاب أو أدنى تغيير يحدث في أي بلد يؤدي إلى تأخير الانتخابات سنتين أو ثلاث.. وفي بلدنا لم تکن للجماهير معرفة بصناديق الاقتراع، إذ کانت الانتخابات التي جرت في عهد النظام الطاغوتي صورية وکاذبة، فلم تتوجه الجماهير نحو صناديق الاقتراع کي تدلي بصوتها بالمعنى الحقيقي للکلمة، وکل من أرادوا إدخاله للمجلس العميل جاؤوا به من خارج صناديق التصويت.. فيما دفع الإمام بالجماهير نحو صناديق الاقتراع بعد شهرين من انتصار الثورة فصوّتوا لصالح الجمهورية الإسلامية، وفي غضون عام واحد توجه الشعب خمس مرات نحو صناديق الاقتراع، وعلى مدى ثلاث وعشرين سنة مضت على عمر الثورة توجه أبناء شعبنا ثلاثاً وعشرين مرة إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس الشورى الإسلامي وأعضاء مجلس الخبراء ورئيس الجمهورية وأعضاء المجالس البلدية وکذلک لتعيين الدستور ونظام الجمهورية الإسلامية؛ فأي نظام ـ وإن کان ديمقراطياً بظاهره ـ يعوّل بهذا الحجم على إرادة الشعب ورأيه؟ إن أعداء هذه الثورة والشعب الصلفين الوقحين يقترفون هذا الاجحاف ويتهمون الثورة والنظام ومهندسهما ومؤسسهما العظيم برفض حاکمية الشعب! 

أصول الثورة الأساسية لا يطالها التغيير
إن حاکمية الشعب في النظام الإسلامي هي حاکمية الشعب الدينية، أي المرتکزة على رأي الإسلام، وهي ليست عقداً عرفياً، بل من صلب الرؤية الإسلامية الرجوع إلى رأي الأمة وإرادتها حيثما اقتضى الرجوع، ولذا فهي تبلور التزاماً إسلامياً، وليس على غرار الدول الديمقراطية حيث تلتزم بعقد عرفي يسهل نکثه؛ فحاکمية الشعب في نظام الجمهورية الإسلامية تکليف ديني، والمسؤولون يقيدهم تعهد ديني في الحفاظ على هذه الخصيصة ويتعين عليهم تقديم الجواب عنه أمام الله سبحانه وتعالى. وهذا مبدأ کبير من مبادئ إمامنا العظيم. 
ومن مبادئ النظام الإسلامي العدالة الاجتماعية وإقرارها، واحترام حقوق جماهير الشعب العريضة وتقليص التمايز الطبقي، کما أن مکافحة الفساد الإداري والاقتصادي وسوء استغلال الإمکانيات التي توفرها السلطة للأفراد ـ سواء کان الاستغلال مادياً أو سياسياً ـ تعتبر من أصول الثورة التي يجب الالتزام بها، وکذا إسداء الخدمة للجماهير والمحافظة على استقلال البلاد على کافة الأصعدة والتصدي لتغلغل الأعداء ونفوذهم، تعتبر من أصول الثورة التي لا تقبل التغيير؛ فأصول الثورة وخطوطها الأساسية لا يطالها التغيير، ومظهرها جميعاً دستورنا الرفيع. 
وبطبيعة الحال بوسع الحکومات والمسؤولين انتقاء خطط ومناهج متعددة لتطبيق هذه الأصول في مختلف المراحل، فأساس الثورة کإسلام يقوم على أحکام ثابتة وأخرى متغيرة؛ فثمة مجموعة من الأحکام لا تقبل التغيير وأخرى تتغير بتغيّر الظروف؛ وهکذا الثورة إذ إن الاجتهاد ميزة تتيح أمام المسؤول إمکانية اتخاذ المناهج والسبل والخطط السليمة بما تقتضيه الظروف، وبطبيعة الحال فإن اختيار الأسلوب أو الاجتهاد غايته العثور على منهج جديد ومناسب، وهو ليس کبدعة الجاهل ودعوة إعادة النظر، بل هو شأن من يمتلک القابلية على الاجتهاد في هذا المضمار. وفي ضوء هذا تأتي رسالة الاجتهاد والمجتهد في النظام الإسلامي؛ ونحن إذ نتمسک من ناحية بالأصول، نرفض التحجر والجمود على الثورة بدعوى التمسک بالأصول، فثمّة أصولية قائمة لکنها ليست تحجراً ولا تزمّتاً ولا جهلاً بتبدّل الظروف، ومن ناحية أخرى ينبغي عدم السماح للبدع ودعوات إعادة النظر بالنشاط والتحرک الضار المدمر بذريعة الاجتهاد والتغيير. 
هذا هو الخط اللاحب لإمامنا العظيم.. وعليه فأصولنا ثابتة ومن بينها: العدالة، وحاکمية الشعب، والاستقلال، والدفاع عن حقوق الشعب على کافة الأصعدة، والدفاع عن حقوق المسلمين وعن کل مظلوم في أية بقعة في العالم، ومکافحة الفساد والظلم والغطرسة؛ وهذه لا تقبل التغيير، بيد أن اختلافاً في الأساليب ربما يطرأ تبعاً لاختلاف الأوضاع والظروف. 
لقد رسم الإمام مبادئ الثورة وأطرها بإتقانٍ ودقّة ووضوح لئلا تستطيع القوى السلطوية في العالم هضم هذه الثورة في ماکنتها الثقافية والقضاء عليها کسائر التغييرات السياسية؛ فما يجدر بشعبنا معرفته والتمسک به هو هذه الأصول الثابتة، وربّما يتبيّن عجز الوزارات أو مجلس الشورى أو السلطة القضائية في مجالات شتى ولا يتحقق هدف ومرام الثورة والنظام الإسلامي، لکن هذا العجز راجع للمتصدين والمنفّذ ين، غير أن أعداء النظام يلصقون بالنظام ما يطرأ من ضعف في أي من الأجهزة وللأسف. 
إن النظام يقوم على قواعد محکمة وخطوط واضحة، وإن الاستدلال والمنطق الذي يدعم المفاصل الرئيسة للنظام ممّا يتعذر التشکيک به، وعلى المسؤولين والمتصدين في مختلف قطاعات النظام الإسلامي ـ في السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو في القوات المسلحة وکل من تصدى للعمل في أي مرفق ـ علاج حالة الضعف لديهم، وإن طريق بلوغ هذا الشعب السعادة يکمن في تطبيق المبادئ التي اختطّها الإمام العظيم وجرى تثبيتها في الدستور وأعلن الشعب وفاءه لها مرات ومرات؛ ولقد اتّضح أن العدو إنّما يناهض هذه المبادئ وکل ما يوصد الأبواب بوجه نفوذه؛ والعدو يسعى للتسلّل من منافذ عديدة، وما على الشعب الإيراني وبالذات المسؤولين إلاّ التحلي بالوعي، وقد أثبت شعبنا العزيز وعيه على مر هذه السنين والتزامه بهذا الأمر والحمد لله. 

خطاب سماحته في حرم الإمام الخميني (ره)، 22/3/1423
انتهای پیام