۱۳۹۳/۸/۱۲   9:6  بازدید:1200     الاخبار

بسم الله الرحمن الرحیم
مسيرة الحسين(ع) و عاشورا

 


صبر الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء
 
وفي ليلة عاشوراء التي حَفلت بعظيمِ المکاره والمصائب والأرزاء ، والتي لا يُعهد لها مثيل في تاريخ البشرية ، نرىٰ وقد برزَ الصبرُ فيها ، وصار أحدَ سِماتها ، وصفةً قد تحلىٰ بها أصحابُها ، حتىٰ أصبحَ کلُ واحد منهم کالجبل الأصم لا تهزه العواصف ومِنْ بينهم سيدُ شباب أهل الجنة ـ صلوات الله عليه ـ الذي کُلما ازداد الموقف شدةً ازداد صبراً وإشراقةً.
يقول الأربلي : شجاعةُ الحسين عليه السلام يُضربُ بها المثل ، وَصبرُه في مأقط الحرب أعجزَ والاواخر الأوائلَ والأواخر(1).
وکما قيل : إن في بشاشة وَجه الرئيس أثراً کبيراً في قوُة آمال الأتباع ونشاط أعصابهم ، فکان أصحابه کلما نظروا إليه عليه السلام ازدادوا نَشاطاً وصمُوداً ، هَذا مع ما هو فيه ـ صلوات الله عليه ـ من البلاء العظيم والخطب الجسيم في ليلة لم تمر عليه بأعَظمَ منها ، حيث يرَى الأعداءَ قد اجتمعوا لقتاله وقتال أهل بيته ، وهو يَرىٰ أهلهَ يرقبونَ نزولَ البلاء العظيم مع ما هُم فيه من العطش الشديد ، بلا زادٍ ولا ماء حتىٰ ذَبُلت شِفاهُهُم وغارت عيونُهم ، وبُحّت أصواتهم ، وذعُرتْ أطفالهم ، وارتاعت قلوبهم ، في وَجَل شديد علىٰ فراق الأحبة وفقد الأعزة ، ومَنْ يرىٰ ذلک کيف لا ينهار ولا يضعُف ولا تقل عزيمته وهو يرىٰ ما يَبعثُ على الالم ويُحطِّم القُوىٰ !!
إلا أن الحسين عليه السلام الذي کان يَلحظ ذلک بعينه ، لا تجد أثراً من ذلک في نفسه بل کان يزدادُ صبراً وعزيمةً ، وتحمل تلک الأعباء الثقيلة ، وتسلح بالصبر على الأذىٰ في سبيل الله تعالىٰ وهو القائل : ومَنْ رَدَّ عليَّ هذا أصبرُ حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاکمين (2) فکان عليه السلام نعم الصابر المحتسب عند الله تعالىٰ.
وقد جاء في الزيارة عن الإمام الصادق عليه السلام : وصَبرتَ على الأذىٰ في جنبه محتسباً حتىٰ أتاک اليقين (3).
وناهيک تعجب ملائکة السماء من صبره کما جاء في الزيارة : وقد عجبت من صبرک ملائکةُ السموات (4).
وکان يقول عليه السلام في أوقاتِ الشدة يوم عاشواء وهو متشحّط بدمه : صَبراً علىٰ قضائک يا رب لا إلهَ سِواکَ ، يا غِياثَ المستغيثين (5) ما لي ربٌّ سواک ولا معبود غيرک صبراً علىٰ حکمک (6) وناهيک عن موقفه المرير وهو يُشاهد مقتلَ رضيعه الصغير وهو يقول : اللهم صبراً واحتساباً فيک (7).
وکيف لا يکونُ صابراً محتسباً وهو من الذين عناهم الله تعالىٰ في قوله : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ) (8) وقوله : ( وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) (9).
فالحسين عليه السلام شخصيةٌ منفردةٌ بجميع صفات الکمال ، وتجسدت فيه کلُ صور الأخلاق ، وقد أراد عليه السلام أن يضفي من کماله علىٰ أصحابه وأهل بيته بوصاياه لهم بالصبر الجميل ، وتوطين النفس ، واحتمال المکاره ، ليستعينوا بذلک في تحمُّل الأعباء ومکابدة الآلام ، وليحوزوا علىٰ منازل الصابرين وما أعَد اللهُ لهم.
فأما أصحابه فقد أوصاهم 7 مراراً بالصبر والتسلُّح به في مواجهة النوائب والمحن ، والصبر علىٰ حدِّ السيف وطعن الأسنَّة وعلىٰ أهوال الحرب.
وکما لا يخفىٰ أن هذا ليس بالأمر السهل إذ أن مواجهة ذلک يحتاج إلى التدرُّع بالصبر والحزم ، وعدم الجزع من أهوال المعرکة والثبات عند القتال ، وعدم الاستسلام أو الانهزام ، فإذا ما تسلح المقاتل بالصبر کان في قمة المواجهة ، لا يبالي بما يلاقيه وما يتعرَّض إليه من ألم السنان وجرح الطعان.
ولذا نادى ـ صلوات الله عليه ـ فيمن تبعه من الناس ـ في بعض المنازل ـ قائلاً لهم : أيها الناسُ فمَنْ کان منکم يصبر على حدِّ السيف وطعن الأسنة فليقُمْ معنا وإلا فلينصرف عنَّا (10).
فإذا کان المقاتل لا صبر له علىٰ ذلک کيف يثبت في ساحة القتال حينما يرى أهوال المعرکة إنّ هذا وأمثاله لا يۆمن منه الجزع ، فإما أن ينهزمَ أو يستسلم للأعداء.
وهنا لا ننسى تأکيد القرآنُ الکريم في هذا الجانب إذ حثّ المجاهدين في سبيل الله تعالى علىٰ التحلَّي بالصبر والثبات في ساحة القتال قال تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ) (11) ، وقال تعالىٰ : ( إِن يَکُن مِّنکُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) (12) ، وقال تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْکُرُوا اللهَ کَثِيرًا لَّعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ ) (13).
ومن الواضح أن نجد الحسين عليه السلام في هذه الليلة ـ استعداداً للمواجهة ـ أن يوصي أصحابه بذلک ويرغبهم في احتمال المکاره قائلاً لهم : فإن کنتُم قد وطأتم أنفسکم علىٰ قد وطّأتُ عليه نفسي ، فاعلمُوا أن الله إنما يَهبُ المنازلَ الشريفةَ لعبادة باحتمال المکاره ، وإن الله وإن کان قد خَصَّني مع مَنْ مضىٰ من أهلي الذين أنا آخِرهُم بَقاءً في الدُنيا من الکرامات ، بما سَهّل معها علىٰ احتمال الکريهات ، فإنَّ لکم شطرَ ذلک من کرامات الله ، واعلموا أن الدُنيا حُلوها مرٌ ، ومرُّها حُلوٌ ، والانتباه في الاخرة ، والفائزُ من فاز فيها والشقي من يشقىٰ فيها (14).
الأمر الذي أثَّر في نفُوسهم وزاد في تَحمُّلهم ، حتىٰ أوقفهم علىٰ غامض القضاء ، وکَشف عن أبصارهم فرأوا منازلهم من الجنة وما حباهُم الله تعالىٰ من النعيم.
کما أوصاهم عليه السلام بهذا أيضاً ونحوه بعد ما صلَّىٰ بهم الغداةً قائلاً لهم : إن الله تعالىٰ أذنَ في قتلکم وقتلي في هذا اليوم ، فعليکم بالصبر والقتال (15).
وکذلک لما رآهم وقد تناوشتهم السيوف وقف عليه السلام قائلاً لهم : صَبراً يا بَني عُمومتي صبراً يا أهل بيتي ، لا رأيتُم هَواناً بعد هذا اليوم أبداً (16).
وکذا يوصي غلاماً له وقد قُطعت يده ، فضَمّهُ إليه قائلاً له : يا بن أخي اصبرعلىٰ ما نَزلَ بک واحتسب في ذلک الخير (17).
وفي رواية أنه يقول  بعد ما يُقتل طفله الرضيع ويضع کفيه تحتَ نحره : يا نفس اصبري ، واحتسبي فيما أصابَکِ (18).
اعداد: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي :تبيان
المصادر:
(1) کشف الغمة للإربلي : ج 2 ص 2ظ .
(2) بحار الأنوار : ج 44 ، ص 33ظ .
(3) بحار الأنوار : ج 98 ، ص 293 و ج 98 ، ص 256.
(4) بحار الأنوار : ج 98 ، ص 24ظ .
(5) أسرار الشهادة : ج 3 ، ص 68.
(6) مقتل الحسين للمقرم : ص 283.
(7) معالي السبطين : ج 1 ، ص 343.
(8) سورة السجدة : الآية 24.
(9) سورة الإنسان : الآية 12.
(10) ينابيع المودة : ص 338 ، کلمات الإمام الحسين : ص 348.
(11) سورة آل عمران : الآية 2ظ ظ .
(12) سورة الأنفال : الآية 65.
(13) سورة الأنفال : الآية 45.
(14) أسرار الشهادة للدربندي : ج 2 ، ص 223.
(15) کامل الزيارات لابن قولويه : ص 73 ، بحار الأنوار : ج 45 ، ص 86.
(16) مقتل الحسين للخوارزمي : ج 2 ، ص 27 ، بحار الأنوار : ج 45 ، ص 36.
(17) وقعة الطف : ص 254 ، الإرشاد للشيخ المفيد : ص 241.
(18) تظلم الزهراء : ص 2ظ 3 ، معالي السبطين : ج 1 ، ص 423.



 
 
دقائق ولحظات من ساعات التوديع

يعتبر التوديع نوععاً من التزود من الرؤية ، فالمسافر يتزود من رؤية من سيفارقهم وهم يتزودون من رؤيته ، والوداع يخفف ألم البعد والفراق ، لأن النفس تکون قد استوفت قسطاً من رؤية الغائب ، وتوطنت على المفارقة ومضاعفاتها.
ولهذا جاء الإمام الحسين ليودع عقائل النبوة ، ومخدرات الرسالة ، وودائع رسول الله.
ليودع النساء والأخوات والبنات وأطفاله الأعزاء ، وليخفف عنهم صدمة مصيبة الفراق.
قد تحدث في هذا العالم حوادث وقضايا يمکن شرحها ووصفها ، وقد تحدث أمور يعجز القلم واللسان عن شرحها ووصفها ، بل لا يمکن تصورها.
إنني أعتقد أن تلک الدقائق واللحظات ـ من ساعات التوديع ـ کانت تجاوزت حدود الوصف والبيان.
فالأحزان قد بلغت منتهاها ، والقلق والاضطراب قد بلغ أشده ، والعواطف قد هاجت هيجان البحار المتلاطمة ، والدموع متواصلة تتهاطل کالمطر ، وأصوات البکاء لا تنقطع ، والقلوب ملتهبة ، بل مشتعلة ، والهموم والغموم متراکمة مثل تراکم الغيوم.
فبعد أن قتل جميع أصحاب الإمام الحسين وبنو هاشم ، ولم يبق من الرجال أحد ، عزم الإمام على لقاء الله تعالى ، وعلى ملاقاة الأعداء بنفسه المقدسة ، فأقبل إلى المخيم للوداع ، ونادى : « يا سکينة ويا فاطمة ، يا زينب ويا أم کلثوم : عليکن مني السلام ، فهذا آخر الإجتماع ، وقد قرب منکن الإفتجاع!
فعلت أصواتهن بالبکاء ، وصحن : الوداع .. الوداع ، الفراق .. الفراق ، فجاءته عزيزته سکينة وقالت : يا أبتاه إستسلمت للموت؟ فإلى من أتکل؟
فقال لها :
« يا نور عيني کيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين ، ورحمة الله ونصرته لا تفارقکم في الدنيا والآخرة ، فاصبري على قضاء الله ولا تشکي ، فإن الدنيا فانية ، والآخرة باقية.
قالت : أبه ردنا إلى حرم جدنا رسول الله؟
فقال الإمام الحسين : هيهات ، لو ترک القطا لغفا ونام.
فبکت سکينة فأخذها الإمام وضمهما إلى صدره ، ومسح الدموع عن عينيها.
ثم إن الإمام الحسين دعى النساء بأجمعهن ، وقال لهن : « إستعدوا للبلاء ، واعلموا أن الله حافظکم وحاميکم ، وسينجيکم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمرکم إلى خير ، ويعذب أعاديکم بأنواع العذاب ، ويعوضکم عن هذه البلية بأنواع النعم والکرامة ، فلا تشکوا ولا تقولوا بألسنتکم ما ينقص قدرکم ».
ثم أمرهن بلبس أزرهن ومقانعهن ، فسألته السيدة زينب عن سبب ذلک ، فقال : « کأني أراکم عن قريب کالإماء والعبيد يسوقونکم أمام الرکاب ويسومونکم سوء العذاب!!
فلما سمعت السيدة زينب ذلک بکت ونادت : واوحدتاه ، واقلة ناصراه ، ولطمت على وجهها!
فقال لها الإمام الحسين : « مهلاً يا بنة المرتضى ، إن البکاء طويل »!!
ثم أراد الإمام أن يخرج من الخيمة فتعلقت به السيدة زينب وقالت : « مهلاً يا أخي ، توقف حتى أتزود منک ومن نظري إليک ، وأودعک وداع مفارق لا تلاقي بعده »؟ فجعلت تقبل يديه ورجليه.
فصبرها الإمام الحسين ، وذکر لها ما أعد الله للصابرين.
فقالت : يا بن أمي طب نفساً وقر عيناً فإنک تجدني کما تحب وترضى.
فقال لها الإمام الحسين : « أخيه إيتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه أحد ، اجعله تحت ثيابي لئلا أجرد بعد قتلي ، فإني مقتول مسلوب ، فارتفعت اصوات النساء بالبکاء.
ولما أراد الإمام أن يخرج نحو المعرکة نظر يميناً وشمالاً ونادى : هل من يقدم إلي جوادي؟
فسمعت السيدة زينب ذلک ، فخرجت وأخذت بعنان الجواد ، وأقبلت إليه وهي تقول : لمن تنادي وقد قرحت فؤادي؟! (1)
وقد جاء في التاريخ : أن الإمام الحسين (ع) أوصى أخته السيدة زينب قائلاً : « يا أختاه! لا تنسيني في نافلة الليل ». (2)
المصادر:
1 ـ کتاب « معالي السبطين » ج 2 ص 13 ـ 14 ، المجلس السادس.
2 ـ کتاب « زينب الکبرى » للشيخ جعفر النقدي ، ص 58.


 

انتهای پیام