۱۳۹۳/۸/۹   1:55  بازدید:1064     الاخبار

بسم الله الرحمن الرحیم
ما هي فلسفة نهضة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام؟

 


ما هي فلسفة نهضة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام؟

تتلخص فلسفة النهضة في کلمة واحدة، هي أن الإمام الحسين عليه السلام کان داعياً إلى الله تعالى، وحينما رأى أن دعوته إلى الله بحاجة إلى أن تُکتب بدمه، وأن تُرسَّخ بشهادته وشهادة أبنائه حتى الطفل الرضيع، حينما أدرک ذلک إقتحم عليه السلام ميدان الشهادة، وبادر إلى العطاء في سبيل الله. ولما کان الحزب الأموي متجذراً في السلطة، کان المجتمع بحاجة إلى هزة عنيفة ليقتلع جذور الأموية. وهذا ما حدث بالضبط بفضل دم أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
ترى کيف حدث کل ذلک؟ السر يکمن في أن الحسين کان دماً ناطقاً، وإعلاماً داعياً إلى الله، وشهادة من أجله تعالى، هذه الشهادة التي نرددها يومياً في الصلاة (أشهد أن لا إله إلا الله) ماذا تعني؟
إنها تعني إعلان الحق، فأنت بإمکانک أن تجلس في بيتک وتقول (أشهد أن لا إله إلا الله)، فما الذي يدعونا لإطلاق هذه الشهادة خمس مرات في کل يوم من أعالي الماذَن؟
لأن الإسلام بحاجة إلى إعلام، لأن هدف الرسالات الأساسي هو دعوة الناس إلى الله تعالى.
وفي بعض الأحيان تحتاج الدعوة إلى الله إلى صوت، وفي أحيان أخرى تحتاج إلى دم، وقد عرف الحسين عليه السلام هذه المعادلة فأعطى الدم في سبيل الله ولإعلاء کلمته، ومن المعلوم إن هذا الإعلام لابد أن ينسجم مع المبدأ ومع ظروف المجتمع، ولابد أن يکون بحجم الظروف؛ أي إننا قد يلزم أحياناً أن نثبت صمودنا في هذا الإعلام من خلال ساحة الجهاد، ومن خلال الدم الذي يُراق في سبيل الله، ولذلک فإن الإعلام الإسلامي لابد أن ينسجم مع روح الإسلام التي هي التضحية، وتنازل الإنسان عن ذاته لدينه، وعن دنياه لآخرته، وهذا التنازل لا يمکن أن يتحقق ببساطة، فلابد للإنسان من أن يکون في مستوى الرسالة التي يحملها، ولذلک فإن الذي يجلس على منبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام، ويدعو إلى منهجه، ويتحدث باسمه، وينطق باسم النهضة التي قادها السبط الشهيد، هذا الإنسان لابد أن يکون حسينياً؛ بمعنى أن يکون مستعداً للتنازل عن کل شيء في لحظة واحدة إذا اقتضى الواجب الإلهي ذلک، حتى تکون دعوته نافذة، فالمنبر الذي يتحول إلى مهنة واحتراف لا يغني عن الحسين شيئاً، لأن المنبر هو ساحة للجهاد، فمن الممکن أن يرتقي الإنسان المنبر، ويتحدث بحديث تکون فيه نهايته الدنيوية کما فعلوا بخطبائنا العظام طيلة التاريخ.
وهکذا فإن الإنسان المۆمن الصادق لابد أن يقتبس من نور الإمام الحسين شعاعاً عندما يرتقي المنبر ويتحدث باسمه عليه السلام بذلک يندفع إلى التضحية من أجل الرسالة.
وهکذا الحال بالنسبة إلى إعلام القلم الذي ينطق باسم الإمام الحسين، فيجب على حامل القلم أن يکون حسينياً بمعنى الکلمة، وأن يبتعد عن الارتزاق والمهادنة. فالقلم الذي يعمل على مهادنة الطغاة يجب أن يتکسر، والورقة التي يُکتب عليها مديح الجائرين يجب أن تتمزق.
سمات وخصائص الإعلام الإسلامي
وهکذا فإن الإعلام الإسلامي يجب أن يکون منسجماً مع الإسلام، وفيما يلي سأحاول تلخيص بعض سمات هذا الإعلام.
إعلام إلهي
1- الإعلام الإسلامي هو إعلام إلهي يتجاوز الدنيا إلى الآخرة، فقد کانت الکلمة الأولى التي أطلقها السبط الشهيد في المدينة المنورة هي: "ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرَّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله"[1].
وهنا أحب أن أذکر إن القضية ليست قضية أن يزيد قد أخذ دار الحسين عليه السلام وأمواله، وأنه ليس من جماعته، بل إن القضية هي قضية إلهية.
فالرفض إبتدأ بکلمة الله، والدعوة إلى الله.
فأول إعلان عن الثورة کان في مکة المکرمة في اليوم الثامن من ذي الحجة، وقد کان الناس يتجهون إلى منى ومن ثم إلى عرفات في حين أن الإمام الحسين عليه السلام غيّر مسيره إلى العراق، ووقف قائلاً بکل جرأة: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف [2]..).
فالکلمة هنا تتجاوز الدنيا؛ إنها کلمة الآخرة. فالإمام الحسين عليه السلام لا يعيش الدنيا لأن قلبه وروحه وأحاسيسه تعيش في الآخرة. هذه هي الکلمة الأولى، أما الکلمة الأخيرة فقد نطق بها بعد شهادته عليه السلام الإمام زين العابدين فوق منبر مسجد الشام، وقد کانت نصف خطبته تدور حول الآخرة، وقد کان عليه السلام يهدف من وراء ذلک بيان حقيقة ثورة أبيه الحسين عليه السلام، فالمقدمة کانت توجيهاً للناس إلى الآخرة وإلى الله تعالى حتى أجهش الناس بالبکاء کما تذکر الروايات.
وعلى هذا فإن منابرنا يجب أن تسير على نهج النبي صلى الله عليه وآله وأئمتنا عليهم السلام، وهذه هي صبغة الإعلام الإسلامي وسمته البارزة، فهو إعلام إلهي لا ينظر إلى الدنيا فقط، لأن الدنيا لا قيمة لها بالنسبة إلى الآخرة، والإنسان العاقل الحکيم يستغل هذه الدنيا لصالح أخرته.
إعلام متفاعل مع الواقع
2- إن الإعلام الإسلامي لا يعبر عن الصور المتحرکة، فهناک إعلام يأتيک بالحدث المجرد، ويصور الحالة الخارجية بشکل محايد، في حين أن الإعلام الإسلامي يتجاوز هذه الصورة، ويغوص في العمق، فهو يربط الحدث بمسيرته التاريخية، ويتعمق في الجذور، ليقتبس منه العبرة؛ فالقصص والأحاديث والأخبار المفرغة من العبرة لا تغني شيئاً، لذلک ينبغي أن نعطي الخلفية التاريخية للإعلام، والعبرة المستقبلية له، ونربط بينه وبين السنن الإلهية التي بينها الله تعالى في کتابه الکريم. فکل شيء له سبب ودافع، وقد يکون دافع الإنسان نظيفاً، وقد يکون خاطئاً، فالإنسان قد يقوم ببطولات ويتحدى ويۆدي دوراً کبيراً ولکن دون أن يکون دافعه إرضاء الخالق، بل يخرج أشراً ومفسداً ومستعلياً في الأرض، ومثل هذا الإنسان لا يساوي عند الله جناح بعوضة حتى وإن قُتل وسُحق تحت الأقدام، إذ أنّ النية هي المهمة في الإسلام، أما العمل فليس له قيمة من دون النية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: "لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا باصابة السنة"[3].
Description: امام حسین (ع)وهکذا الحال بالنسبة إلى النية فإنها وحدها لا تکفي بل يجب أن نبحث عن الحکم الشرعي الذي يسمح لنا بالعمل، فليس من حقي أن أحطم شخصية إنسان بکلمة نابية أو غيبة أو تهمة بحجة إنني أنوي تأديبه -مثلاً-، بل لابد أن أبحث عن الأسلوب المناسب وعن القانون الشرعي، فالإسلام لم يترک صغيرة ولا کبيرة إلا ووضع لها قانونا، فليس من حقک أن تتصرف في الساحة دون قانون شرعي، لأن الإعلام الإسلامي هو إعلام شرعي يقتضي البحث عن الشرعية.
إعلام شجاع لا يهادن
3- الإعلام الإسلامي هو إعلام شجاع لا يهادن، فهو يضع النقاط على الحروف، انظروا إلى کلمات الأنبياء عليهم السلام فإنکم لا تجدون فيها کلمة غامضة، ففيها حسب التعبير القرآني: (فصل الخطاب)؛ أي الخطاب الفاصل والحاسم الذي يفرق بين الحق والباطل، فأن تخلط الأمور مع بعضها، وتقول کلمات دبلوماسية حتى تستطيع أن تخرج دائماً من المآزق، فهذا مرفوض في الإعلام الإسلامي ولا يجوز إلا عند الضرورة، فالأدب والتعبير الحسن في مکانهما، ولکن الوضوح له موقعه أيضاً.
نهضة الإمام الحسين عليه السلام نهضة تبليغية
وقد کانت هذه السمات کلها في حرکة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، ولو درسنا لسنين هذه الحرکة من هذه الزاوية أو من الزوايا الأخرى فسنکتشف فيها الکثير من الدروس، والأکثر من ذلک أن نهضة الإمام الحسين عليه السلام کانت نهضة تبليغية -إن صح التعبير- فقد کانت جميع تحرکات الإمام عليه السلام وأهل بيته من المدينة إلى مکة ثم من مکة إلى کربلاء، ومن کربلاء إلى الکوفة ومنها إلى الشام..
مخططاً لها من أجل إيقاظ الناس، وإقامة الحجة عليهم، وإلا فقد کان من المفروض بالإمام عليه السلام أن لا يُخرج معه بقايا أهل البيت لأنهم أمان أهل الأرض، فهل من المعقول بعد ذلک أن يضعهم أمام العدو وهو يعرف طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، وقد نصحه أکثر من واحد على أن لا يقدم على هذا العمل، فالمعالم کانت واضحة لدى الناس، لأن الکوفة هي نفسها الکوفة التي لم تستجب للإمام علي عليه السلام، وهي نفسها الکوفة التي فعلت ما فعلت بأخيه الحسن، وعلى هذا فإن الإمام الحسين عليه السلام کان يعرف کل شيء، ولکنه مع ذلک جاء بأهل بيته وبأخته زينب وهو الذي يحبها ذلک الحب العميق لأنها کانت صورة مصغرة لفاطمة الزهراء عليها السلام، فهل من المعقول أن يأتي بها إلى کربلاء، ويعرّضها للأسر لولا أن له في ذلک هدفاً مقدساً؟
وهکذا فإن هذا الهدف هو الذي بعث هذا الإعلام. فالشهادة مدرسة، والدراسة في هذه المدرسة ضرورية، فهي برکة والتبرک بها يمثل قضية. ولقد استشهد الإمام الحسين عليه السلام، وجرى دمه الطاهر، ولکن من الذي يجب أن يستثمر هذا الدم، ويحوله إلى ثورات متلاحقة لا تقضي فقط على النظام الأموي وإنما على کل حکم فاسد، وعلى جميع الانحرافات الفکرية والثقافية والاجتماعية التي کانت مستشرية في الأمة؟
الإعلام بعد ثورة الحسين عليه السلام
لقد فعل کل ذلک من تَبقّى من أهل بيت أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فکربلاء کانت أرضاً معزولة، ثم إن العدو لم ينقل ما جرى على هذه الأرض، فمن الذي يجب عليه أن يروي ما حدث في کربلاء؟
ومن الذي يقص البطولات التي أبداها الحسين عليه السلام وأبو الفضل العباس.. والظلامة التي رفعها الإمام الحسين عليه السلام في کربلاء عندما حمل الطفل الرضيع على يديه، وطلب شربة ماء، وإذا بالعدو يرميه بالسهم؟
من الذي يجب أن ينقل هذه الصور، صور المأساة والتحدي والبطولة والصمود؟
ومن هنا فإن قضية السبط الشهيد لابد أن تتحول عندنا إلى منبر إعلامي متميّز حتى تکون الشهادة الناطقة وسيلة لسعادتنا في الدنيا، وفلاحنا في الآخرة.
اية الله محمد تقي المدرسي
الهوامش:
[1] - بحار الأنوار، ج44. ص325.
[2] - بحار الأنوار، ج44، ص366.
[3] - الکافي، ج1، ص70.
 

انتهای پیام