أم البنين دوحة الايمان والکرامات
السلام عليکم ورحمة الله وبرکاته فکتب التاريخ أيها الأحباب حافلة بالتشکيک ! ومن أمثلة التشکيک : لماذا تأخرت عن الحضور في کربلاء ؟! هل أن أم البنين عاشت قبل وبعد کربلاء أم لا ؟! وفي أي سنة فارقت الحياة ؟ وهل کانت تندب أولادها في البقيع ؟ وعن سبب عدم حضورها في کربلاء لنصرة المولى أبي عبد الله عليه السلام ، يقول أحد علمائنا : فلعلها کانت مريضة ـ کما حکي عن فاطمة الصغرى ـ وهي بنت الامام الحسين عليه السلام ، أو مشتغلة برعاية أولاد بنيها ، أو غير ذلک مما علمه عند الله سبحانه .(1) وقد ظلمها التاريخ ومن کتب صفحاته من الأمويين وأعداء أهل بيت النبوة ، فلا تجد عن سيرتها وعمرها المبارک إلا اليسير ، کما أهملت صفحات السير تاريخ مولدها عليها السلام . (2) يقول المرجع الديني السيد الشيرازي "دام ظله" : في تاريخنا الإسلامي ثلاث نسوة لسن من أهل البيت النبوي الشريف ، ولکنهن يحظين بمقام متميز ورفيع وهن : ـ السيدة خديجة الکبرى سلام الله عليها. ـ وأم البنين (زوجة الإمام أمير المۆمنين وأم العباس سلام الله عليهما وأخوته). ـ و السيدة نرجس أم الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف .
وهذه المرأة الجليلة (أم البنين) کانت تتميز بصفات عن النساء الکثيرات في زمانها :
الصفة الأولى : قوية الإيمان.
الصفة الثانية : الذوبان والتسليم في حب أهل البيت عليهم السلام .
الصفة الثالثة : أنها باب من أبواب طلب الحوائج .
** إذن من هي أم البنين ؟ هي فاطمة بنت حزام بنت خالد بن ربيعة الکلابية العامرية ، وهي من بيت عريق في العروبة والشجاعة ، وليس في العرب أشجع من أبائها وأصل کريم ، على تعبير عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه . (3) فهي زوجة سيدنا ومولانا بطل الإسلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام . وکانت أم البنين شاعرة فصيحة لاحت بوادر شاعريتها في الأفق ، بشعرها السهل الممتنع ، والإيماني ، فقد کانت تعوذ ولدها أبا الفضل العباس وهو رضيع صغير ، فقد کانت له الأم الحانية ، تخاف وتخشى عليه من أعين الحساد من أن تصيبه بأذى أو مکروه ، وکانت تعوذه بالله تعالى ، وتقول هذه الأبيات : أعيـذه بـالـواحــد من عين کل حاسد قائـمـهـم والقاعـد مسلمهم والجاحـد صادرهم والوارد مولـدهـم والـوالـد (4) سۆال : ما سبب إشتهارها بالکنية (أم البنين) عن إسمها (فاطمة) ؟ الجواب : لحسها العاطفي الرفيع ، ولحبها الکبير للحسن والحسين سلام الله عليهما ، فقد روت بعض الأخبار ، أنها طلبت من الإمام أمير المۆمنين عليه السلام ، أن يعهد إلى أهل بيته بأن لا يدعوها أحداً بعد ذلک ـ تقصد بعد زواجها من الإمام ـ بإسمها (فاطمة) مخافة أن يتذکر أبناء الزهراء عليها السلام أمهم ، فيتجدد لهم حزنهم ، ويعود عليهم مصابهم ، ويتذکروا غصصهم وأشجانهم ، وإنما أرادت من الإمام عليه السلام أن يدعوها بکنيتها (أم البنين) وکذلک فعل . (5)** أولادها ** الأول : العباس الثاني : عبد الله الثالث : عثمان الرابع : جعفر وکان بين العباس وعبد الله قرابة تسع سنوات ، وبين عبد الله وأخيه عثمان سنة واحدة ، وبين عثمان وجعفر خمس سنوات . (6) وذهب المحقق الطبرسي أن العباس قد إستشهد بالطف وله 34 سنة وقيل 38 سنة ، وأن عبد الله کان له 25 سنة ، وأن جعفر قتل وله 19 سنة . (7) ويذهب المۆرخ مۆلف کتاب العباس بن علي (المقرم) أن عثمان بن علي کان له يوم الطف أربعة وعشرون عاما . (8)
وإذ نحن نتحدث عن حياة هذه السيدة الجليلة ، نثير هذا التساۆل التالي : السۆال : کيف تتعامل المرأة المسلمة مع مشاکل مجتمعها ؟
الجواب : تنقسم النساء في الغالب إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول/ لا ترى لنفسها أي دخل أو شأن في ما يقع من أحداث ومشاکل في المجتمع . أي أن هذا القسم من النساء يمارسن الدور السلبي الکامل وعدم الإهتمام بالشأن العام . القسم الثاني/ ترى نفسها أنها لا تختلف عن الرجل لا من حيث العقل ولا التفکير ، ولا من حيث التأمل ودراسة أحوال الأمم السابقة ، وأن الخطابات القرأنية تشملها کما الرجل ، فهي بهذا تفکر في نفسها ، وتحافظ على الفضيلة والصلاح في حدود بيتها وأولادها ، وتسعى في مواجهة الإنحراف والفساد الذي يقترب منها ومن بيتها وأولادها فقط . أي يبقى هذا القسم من النساء أيضاً ، ينطلق بتحرک محدود لا يبتعد عن السلبية المحدودة والأنانية وحب الذات ، وعدم تحمل المسۆولية الإجتماعية الکاملة ، وينطلق هۆلاء بالتفسير الضيق لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسکم وأهليکم ناراً وقودها الناس والحجارة) . (9)
ولکن هل يمکن عزل التأثير الخارجي عن الأسرة اليوم ؟ الواقع يقول کلا ، لا الإنعزال ولا الهروب من تحمل المسۆولية يحمي الأسرة والأولاد من تأثير السلبيات عليهم . القسم الثالث/ هي من ترى نفسها إلى جانب الرجل في الهم العام وحمل روح المسۆولية العامة المشترکة ، وتسعى إلى تغيير الفساد والإصلاح بالثقافة والوعي الديني . وهذا القسم هو الأهم من حيث الإيجابية ، والعمل بالتکاليف الشرعية التي إنطلقت من قول خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله في الحديث المروي (کلکم راع وکلکم مسۆل عن رعيته) . (10)
حيث فُسرت المسۆلية تجاه الرعية ، يشمل الأسرة والأولاد والمجتمع . أن الإسلام جعل معايير وموازين للتفاضل بين الناس أجمعين وليست مقيدة بين الرجل والمرأة وهي :
التفاضل الأول : التقوى التفاضل الثاني : العلم التفاضل الثالث : العمل الصالح التفاضل الرابع : النفع لعباد الله (11)
هذه المعايير والمميزات هي التي تميز الرجل عن المرأة ، أو المرأة عن الرجل دون سواها .
نعود للإجابة عن التساۆل : هل يمکن أن تتفوق المرأة على الرجل ؟
الجواب : نعم وذلک بالعوامل التالية بإيجاز :
1ـ الوعي بنظرة الاسلام إلى المرأة .. وهذا يتطلب التعلم والتسلح ضد تيارات التشکيک والتحرر .
2ـ العمل على تغيير النظرة الدونية والسلبية تجاه المرأة .
3ـ الثقة بالنفس .
4ـ الإصرار على النجاح .. والإنجاز .
** لمقام أم البنين هل نقول معجزة أم کرامة ؟ يخلط الکثير وبحسن نية بين تفسير معنى المعجزة والکرامة ، کما لا يفرق البعض في النتائج ، والصحيح أن بينهما فرق . فالمعجزة : إنما هي من مختصات الأنبياء عليهم السلام ، لهدف التحدي للمعاندين والمنکرين ، ويأتي مدلولها خلاف العادة ، وقيل أنها للأئمة عليهم السلام . ولقد ذکر المحقق الشيخ الطوسي قدس سره ، أن المعجزة إنما تتحقق بأربعة شروط ، وذکر منها ، أن تکون خارقة للعادة ، وأن تکون من فعل الله تعالى أو جارياً مجرى فعله . (12) وقد أشبع العلامة البحراني موضوع الإعجاز والمعجزة في کتابه البديع وهو من عدة مجلدات ، حيث ذکر المئات من المعاجز ، تحت عنوان "مدينة المعاجز". (13) أما الکرامة : فهي تأتي للنبي والأئمة الأطهار والأولياء تکريما لهم ، ومن مصاديق الکرامة تجسدت في أم البنين سلام الله عليها . (14)
المصادر:
(1) أم البنين عليها السلام ـ المرجع الديني السيد محمد الشيرازي.
(2) من کلمة لأية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله.
(3) أم البنين والکرامة الإلهية ـ الشيخ عبد الستار الکاظمي.
(4) العباس بن علي ـ الشيخ عبد الحميد المهاجر.
(5) الخصائص العباسية ـ آية الله الحاج محمد إبراهيم الکلباسي.
(6) نساء حول أهل البيت ـ فوزي آل سيف.
(7) أعلام الورى ـ الطبرسي.
(8) العباس عليه السلام ـ عبد الرزاق المقرم.
(9) سورة التحريم ـ آية 6
(10) عقائد الإمامية ـ الشيخ محمد رضا المظفر.
(11) أم البنين ـ بتصرف ـ الشيخ حسن الخويلدي.
(12) الإقتصاد فيما يتعلق بالإعتقاد ـ شيخ الطائفة المحقق الطوسي.
(13) مدينة المعاجز ـ السيد هاشم البحراني.
(14) هذا الرأي إتفاقي بين علمائنا الأعلام تقريباً.
انتهای پیام |