۱۳۹۲/۱۱/۲۵   11:13  بازدید:2542     الاخبار

بسم الله الرحمن الرحيم
مذکرات الرئيس الأمريکي الأسبق جيمي کارتر

 


 
مذکرات الرئيس الأمريکي الأسبق جيمي کارتر

سقوط الشاه ومسألة الرهائن
المذکرات السياسية لرؤساء الدول الاستکبارية تعتبر وثائق خطيرة، ولذلک يعمد المؤرخون والسياسيون إلى قراءتها بدقة متناهية ويعتمدون عليها إلى حد کبير في وضع تصوراتهم وأفکارهم..
الثاني والعشرون من بهمن 1357 هـ ش يوم انتصار الثورة الإسلامية في إيران، واليوم الذي دخلت منه أمريکا الشيطان الأکبر مأزق عرفته. يوم عرفت فيه أمريکا المجرمة عظمة الإسلام وأدرکت بأن صرخات "الموت لأمريکا" ليس شعاراً فارغاً وإنما هي حقيقة واقعة، حقاً إن الثورة الإسلامية في إيران أحدثت تغييراً جذرياً في تفکير الشعوب تجاه أمريکا، فهي ضربة قاصمة من المسلمين لتذلها شر إذلال.
ومن هنا تأتي أهمية هذه السطور ـ وهي مما جاء في مذکرات جيمي کارتر في مجلة التايم الأمريکية ذات الميول الصهيونية ـ وتتبين قيمتها في فهم الثورة الإسلامية
سقوط الشاه:
کنا واقفين في الفسحة الجنوبية للبيت الأبيض والدموع تسيل من عيوننا و200 صحفي ومراسل، بينما کنا نسمع ـ من کان ليس ببعيد عنا ـ ضجيج مجموعة کانوا يصرخون بوجه البوليس الذي أطلق قنابل مسيلة للدموع، ولسوء الحظ فقد هب نسيم باتجاهنا مع الغاز المسيل للدموع، حيث کنت تلک اللحظة أرحب بالشاه وزوجته فرح، وبينما کانت الکاميرات موجهة نحوي کنت أتظاهر وکأن شيئاً لم يحصل. کان ذلک اليوم (15 نوفمبر عام 1977) يوماً مصيرياً، فالغاز المسيل للدموع جعل الجميع في حالة حزينة ومؤسفة.. بعدها بـ 14 شهراً حصلت المأساة الحقيقية في بلدنا (أمريکا) لضياع إيران! فمحمد رضا بهلوي لم تجابهه المعارضة السياسية في إيران بشکل شديد، لکن الحديث هنا ينقطع عن قساوة وإرهاب البوليس السري (السافاک) ضد الإيرانيين.
بينما کان الشاه المحبوب ذو القامة الشماء واقفاً بدون بدون اکتراث ولم تظهر عليه علامة من الضعف ـ بالرغم من کثافة الغاز المسيل للدموع ـ، کان الصمت والسکون قد طغى على حديثنا لا لسبب عدم معرفته لي فأنا الرئيس الثامن في أمريکا ألتقي بالشاه وأعتبره ـ کما أسلافي ـ حليفاً قوياً أقدره کل التقدير لأنه استطاع إقامة علاقات صداقة مع مصر والسعودية، وبالرغم من حظر النفط العربي کان يبيع النفط لإسرائيل. وقد نوهت له أن دعمه للسادات الذي کان من المقرر أن يزور القدس ويلتقي بالإسرائيليين، له أهمية أساسية کبيرة.
معلوماتي المختصرة عن بعض القضايا السياسية والاقتصادية أوضحت لي: بأنه بالرغم من تحسن الوضع الاقتصادي للشعب الإيراني ـ نتيجة ارتفاع أسعار النفط ـ فإن سعي الشاه لتحقيق رغباته الشخصية کان له أثر کبير في تصعيد موجة المعارضين والمثقفين الذين کانوا يرغبون في المشارکة المباشرة في القضايا السياسية. فقد قيل لي هناک 2500 سجين سياسي (والشاه يقول أقل من ذلک) تحت سيطرة السافاک. کان الشاه يعتقد بأن القمع والسحق السريع والفوري للمعارضة هو الحل الأفضل، وقد بدأ عليه الغضب من جميع قادة الغرب ومن ضمنهم أنا لعدم مشارکتنا في رأيه هذا.
في غرفتي الخاصة القريبة من المکتب البيضي للبيت الأبيض سألت الشاه فيما إذا أمکن الحديث بصراحة فوافق على ذلک، وقلت "إنني أعلم أن تقدماً کبيراً حصل في بلدک لکنني أرغب معرفة بعض القضايا الأخرى، إنک سمعت خطاباتي حول حقوق الإنسان !! والکثير من شعبک ـ وهم في تزايد ـ يدّعون بأن حقوق الإنسان لا تحترم کما ينبغي، وإنني أدرک بأن بعض المشاکل والتذمر يأتي من علماء الدين وأتباعهم، وأعرف إن الطبقة الوسطى تسعى دائماً بدور فاعل في السياسة من خلال انتقاداتها، ومن جهة أخرى فإن الطلبة الإيرانيين في الخارج لهم نشاطات. إن هيبة واحترام إيران تعرضت للإساءة!! فهل يمکن العمل للحد من هذه المشاکل عن طريق التشاور والتنسيق الفکري مع الفئات الأخرى لتقليل التدخل المباشر من قبل السافاک؟".
بعد صمت قصير قال بنبرة حزينة "لا، لا أستطيع عمل شيء آخر، يجب تنفيذ بعض القوانين ضد الشيوعيين، إنها قضية حدية وخطرة على إيران والدول الأخرى المجاورة وحتى دول الغرب. ومن الممکن بعد إزالة هذه المخاطر القيام ببعض التعديل في القوانين، لکن ذلک لا يمکن بهذه السرعة. على أي حال فإن التذمر والسخط منتشران بين الذين يخلقون المشاکل أکثر من غيرهم، والقوانين وضعت لحفظ البلد من هؤلاء. في الحقيقة إنهم أقلية صغيرة لا قيمة لها!! وليس لها قاعدة بين قطاعات الشعب الواسعة".
 
 
اعلان الأحکام العرفانية:
بعد شهر من هذا الحديث، وفي يوم الجمعة 8 سبتمبر 1978 أعلن الشاه الأحکام العرفية حيث بدأت الاشتباکات الدموية بين القوات الحکومية النظامية وبين المسلمين في تظاهراتهم العظيمة، وقتل عدة مئات من المتظاهرين المسلمين نتيجة إطلاق الرصاص من قبل القوات النظامية [أخطأ کارتر في قوله هذا؛ فالقتلى کانوا بالآلاف]. بعد حادثة الجمعة السوداء تصاعدت موجات المعارضة وزادت التظاهرات التي طالبت بعزل الشاه، مما حدا إلى استخدام القوة والقسوة العسکرية ضد المواطنين العزل. في نفس الوقت کان يسعى إلى إطلاق سراح المعتقلين والعفو عن [الإمام] الخميني ـ الذي انتقل من بغداد إلى باريس ـ بغية إسکات وإخماد المعارضة، [يبدو أن حماقة کارتر جعلته يتصور بأن "الإمام" کان سجين الشاه ليطلق سراحه] لکن مشکلة [الإمام] کانت تتصدر جميع المشاکل، فالتقارير التي کانت تصل عن طريق سفارتنا تؤکد على کثرة المشاکل، وسفيرنا "سوليفان" کان يشارکنا في رأينا بأن الشاه هو أفضل سند وأمل لنا لحفظ الاستقرار في إيران.
وبينما کان الشاه حائراً بين تشکيل حکومة مؤقتة أو حکومة عسکرية وبين ترک الحکم، کنا نشجعه وندعمه ونؤکد له التزامنا، لکن الأيام أثبتت بأن الشاه فقد مقدرته وکفاءته کرئيس وقائد قوي. کنت متأکداً بأنه يعتمد على مساعداتنا ودعمنا المباشر له وأنه محتاج لذلک، ولذا کنت أدعمه برسالة عندما يتخذ أي قرار، وأؤکد له تأييدنا، کما دعمناه في إعلان الأحکام العرفية والحکومية العسکرية.
.. إلى هنا وفي هذه المرحلة کان المعارضون مبعثرين ومنتشرين هنا وهناک... وفجأة ظهر القائد الذي وحد جميع فصائل الشعب. إن مقدرة وإدارة هذا القائد کانت لها ميزات عديدة، أولاً: اتساع نفوذ شخصيته المعنوية بين الشعب، وشدهم إليه مما بث فيهم حماس الاستشهاد خلال الأعوام الخمسة عشر من النفي. وثانياً: هو أن معارضه للشاه جذرية خلال حياته السياسية وغير منقطعة ولم تلن أبداً. وثالثاً: إيمانه الديني العميق والمتجذر ومواقفه الصلبة ونضاله ضد الشاه، وهذا أدى على التأثير والنفوذ المتزايد في القوى المعارضة للشاه. کل هذه الصفات کانت مجتمعة في شخص [الإمام] الخميني المعارض القوي والسياسي النافذ في إيران ضد الشاه.
وبالرغم من وجود [الإمام] الخميني في باريس، لکن دعواته للشعب في القيام بتظاهرات عبية وإضرابات عامة لإسقاط الشاه کانت مستمرة. لقد کنت أتصور دون أدنى شک أن الشاه يستحق الدعم والحماية دون شرط لأنه لم يکن الحليف المخلص التابع لنا فحسب، بل کان قائداً يحيط به رجال کنا نأمل فيهم استقرار حکومة ثابتة وإصلاحية.
أما القوى الأخرى المعارضة للشاه فمعلوماتنا عنها قليلة، وتصريحاتها المناوئة لأمريکا لم تکن بتلک الجدية والخطورة بحيث تفقد الأمل في حل المشکلة بترک الشاه وعدم إنقاذه.
في أوائل شهر نوفمبر، اقتنع "سوليفان" [السفير الأمريکي في طهران] بإفساح المجال لقادة المعارضة أکثر مما يعتقد الشاه نفسه، ولم أجد في وسعي معارضة رأي "سوليفان"، لکنني کنت أرجح الدعم الکامل والفوري للشاه أو على الأقل الأخذ بنظر الاعتبار المساعدات "الدعم" المستقبلية، وبعد سکوت الشاه تجاه مقترحات السفارة الأمريکية، أدرک "سوليفان" ضرورة مساعدات أکثر للشاه.
کانت الخطة الرئيسية للشاه في استدعاء أحد القادة السياسيين لتشکيل حکومة ائتلافية مقبولة، لکن الظروف لم تکن في صالحه فالأوضاع المتأزمة لم تسمح لإقناع أي شخص ليتولى إنقاذ وخدمة الشاه. وفي نهاية العام وافق شاهبور بختيار "المعتدل" ذو الثقافة الغربية على تولي منصب رئاسة الوزراء. فأظهر هذا السياسي "المقدرة والاستقلالية المذهلة" في معالجة الأمور، فطلب من الشاه مغادرة إيران وعرض مشروح حل "السافاک"، وأعلن بأن مسؤولي إطلاق النار على المتظاهرين سيقدمون للمحاکمة، وکذلک طلب من القضاء وأساتذة القانون وأنصار العدالة الاجتماعية، استلام المناصب المعينة في الشؤون الخارجية التابعة لوزارة الخارجية.
وبدا جلياً لحفظ النظام والاستقرار وجوب خروج الشاه من البلاد، وکنت مؤيداً لذلک شرط أن يکون بصورة محترمة تحفظ ماء وجه الشاه، وفق الخطة التي قدمها الشاه نفسه، بعدها تأخذ بزمام الأمور حکومة قوية، أما "سوفليان" فکان يعتقد بأن علينا رفض خطط الشاه واتخاذ الترتيبات اللازمة لإرساله خارج إيران، لکنني رفضت ذلک، معتقداً بأن الشاه وبختيار وبقية قادة الجيش يحتاجون إلى الدعم الکافي من أمريکا.
وبدا لي بأن "سوليفان" لا يستطيع استخلاص وتهيئة المعلومات الکافية لنا من الجيش، المصدر الحيوي لمعلوماتنا واستشاراتنا، واقتنعت مع وزير الدفاع "براون" في حاجتنا الماسة لممثل أمريکي وفاعل لإرساله إلى طهران ليعلمنا ـ باستمرار ـ بما يحتاجه الجيش، وکانت من وظائف هذا الممثل هو الحفاظ على وحدة قادة الجيش الإيراني وتشجيعهم على البقاء في إيران حتى في حالة مغادرة الشاه لإيران، وعليه أصدرت الأوامر للجنرال "روبرت هايزر" معاون قائد القوات الأمريکية في أوربا، للقيام بهذه المهمة.
وقد أعلن قادة الجيش لسفيرنا "سوليفان" "بأننا لن ندع الشاه يخرج من إيران وفي أبعد الاحتمالات نترکه مستقراً في إحدى الجزر الإيرانية، ومن ثمة نخطط لانقلاب يستلم الجيش فيه زمام الأمور، ليطهر البلاد من المعارضين وينهي الاشتباکات، وبهذا يستطيع بختيار تشکيل حکومة شکلية تؤيدها في الظاهر".
وقال الشاه لـ "سوليفان" بأن قادة الجيش يخضعون له بصورة کاملة، ولن يقوموا بأي تحرک للضغط عليه. وقال أيضاً بأنه يريد مغادرة إيران لدعم حکومة بختيار وليس في نية قادة الجيش القيام بانقلاب حالياً فهم يدعمون بختيار، وفي حالة فشله سيقومون بانقلاب عسکري ويمسکون بزمام الأمور. ثم أفاد الجنرال "هايزر" بأن قادة الجيش سيدعمون بختيار بکل تأکيد.
وبعد أن فقد "سوليفان" السيطرة على نفسه أرسل لنا في 10 کانون الثاني برقية غير مؤدبة وندد متجاسراً بطلبنا من الرئيس الفرنسي الاتصال بالخميني، بدل أن نتصل نحن به وباستخدامه لعبارات مثل "خطأ فضيع، ربما لا يمکن تصحيحه" و"ضياع فکري" و"غير معقول" معرباً عن رفضه لممارساتنا. وأدرکنا بأنه ليس بمقدوره أن يقدم لنا تقريراً واضحاً عن الأوضاع في إيران، وکنت على يقين بأن "سوليفان" قد نفذ بعض تعليماتنا ـ لا أقول کلها ـ برغبة صادقة.
في الأسابيع الأخيرة وبسبب رأي "سوليفان" حول دعم الشاه وما حصل من تغيير فيه أدى إلى أن يفقد الشاه والمحيطون به ثقتهم وحتى بي أنا. ومنذ ذلک صرت أعتمد تقارير الجنرال "هايز" الذي کان يبدو لي معتدلاً وفعلاً في تنسيق آرائه "استقال سوليفان في شهر نيسان 1979م".
في 19 کانون الثاني خرج مليون إيراني [الأصح عدة ملايين] في مظاهرة طلبوا فيها بعودة [الإمام] الخميني، حين أعلن [الإمام] أنه ينوي تشکيل حکومة مؤقتة والعودة إلى إيران بعد 15 عاماً من النفي. واقترح بختيار على [الإمام] الخميني أن يترک الشعب الإيراني ليقرر نوع نظام الحکم الذي يريده واستمرار بقاء [الإمام] الخميني في باريس.
مغادرة الشاه إلى مصر ومن ثمة إلى المغرب کانت بداية النهاية والعد التنازلي له، فنحن کنا بانتظار خروجه هو والمحيطون به من إيران، وکانوا يوحون بأن هذا الغياب هو غياب مؤقت وليس بحدث تأريخي، لکن الحقيقة أکدت أنه کان نهاية الـ 38 عاماً من الحکم الشاهنشاهي.
ففي الأول من فبراير "شباط" اتجه [الإمام] الخميني إلى طهران واستقبله مئات الألوف [خطأ کارتر؛ کانوا ملايين] من أنصاره بحرارة.
 
 
 
 

الأمريکان في خطر:
خلال تلک المدة کنا منهمکين بترحيل الأمريکان الذين أرادوا مغادرة إيران، فمنذ بداية الأزمة استقدمنا "25" ألف أمريکي من إيران، وکان هناک "20" ألف أمريکي بعد. وقال "سوليفان" لا يمکننا الآن حماية الجالية الأمريکية باستثناء أعضاء السفارة وعليهم مغادرة إيران فوراً. لأن الملايين من الإيرانيين متواجدون في الشوارع والقتلى بالمئات نتيجة الاشتباکات مع القوى النظامية. وبالرغم من أن [الإمام] الخميني کان يصورنا في أذهان أنصاره بالشياطين، لکنه وبصورة عجيبة لم يلق أحد من الأمريکان أي أذى أو اعتداء. وبعد ذلک بأيام ـ وبسهولة ـ تفکک ونهزم الجيش الإيراني [کان يعتقد کارتر أن الجيش انضم إلى الثورة والشعب] وفي 11 فبراير استقال بختيار ونواب مجلس الشورى والشيوخ [لم يستقل بختيار ولا النواب وإنما هربوا من إيران وتمت تنحية الکثير منهم من السلطة بقوة الشعب]، بعدها استلم مهدي بازرکان رئاسة الوزراء وبدأ ـ بدعم من [الإمام] الخميني ـ في تقوية أرکان سلطته وبازرکان الذي انتخب أعضاء وزارته من المثقفين الذين درسوا في الغرب، تعاونوا معنا، فحکومته حافظت على السفارة الأمريکية وهيأت کل وسائل الراحة والأمان لمغادرة الجنرال فيليب غاست معاون الجنرال هايزر، وبعث لنا برسائل تعبر عن الصداقة والمحبة، ولم يخف بازرکان رغبته لإقامة علاقات صداقة طيبة مع أمريکا، وقد أعلن ذلک صراحة، لکنه واجه وبسرعة ثوار [الإمام] الخميني فقد کونوا شريطاً مسلحاً في جميع أنحاء إيران لملاحقة الشعب وتضييق الخناق عليه!!
ثم جاءنا خبر بأن راداراتنا وأجهزة الإنصات العسکرية المستقرة في شمالي إيران حوصرت من قبل الثوار، ولا يستطيع فنيونا مراقبة الصواريخ والتجارب الروسية على طول الحدود.
وجاءت حادثة احتلال سفارتنا في فبراير عام 1979 واحتجز أعضاء السفارة وقد تألمنا لذلک، لکن ذلک لم يستمر وغادر المحتلون السفارة، ثم ألقى الإيرانيون القبض على عشرين أمريکياً يعملون في القوة الجوية في إحدى قواعد الإنصات والمراقبة ثم أطلق سراحهم بعد أيام.
أما تظاهرات الشعب الإيراني في الشوارع فقد وصل عداؤها للأمريکان إلى حد الحمى. في هذه الظروف، وبکل هدوء وبدون ضجيج قمنا بإخلاء الأمريکان من إيران بالسرعة الممکنة.
وقبل وبعد خروج الشاه من إيران طلبنا منه المجيء إلى أمريکا، لکنه قرر البقاء في المغرب، وفيما بعد بدأ ملک المغرب يتخوف من بقائه بصورة أو بأخرى ويرى وجوب مغادرته المغرب، وفي 15 مارس طلب الملک الحسن منا بصورة رسمية الموافقة على مجيء الشاه إلى أمريکا. لکنني رفضت ذلک أخذاً بنظر الاعتبار کراهية وحقد الجماهير العظيمة في إيران تجاه الأمريکان، خاصة وهم يسيطرون على الشارع الإيراني ومما يجعل الأذى على بقايا الأمريکان في إيران أمراً لا مفر منه. فأصدرت الأوامر إلى "سايروس فانس" ليساعده "الشاه" للحصول على مکان آخر يقيم فيه. وقرر الشاه الذهاب إلى باهاما لکنه غيّر رأيه مدعياً التکاليف المالية الباهضة واتجه إلى المکسيک، وبالرغم من امتلاکه ثروة عظيمة فإنه کان مستاء وغير مرتاح لمشاهدة الناس يريدون خداعه وامتصاص أمواله، فکان يرغب في المجيء إلى أمريکا حيث فيها الکثير من أعوانه ومحبيه. ثم اتصل بي کيسنجر طالباً مني السماح للشاه بدخول أمريکا. وتبين لي بعد ذلک أن هذه الخطة رسمها بريجنسکي مستشاري في الأمن القومي وهنري کيسنجر معاً.
وجاء الکثير ـ ولعدة مرات ـ والتقوا بي وبسايروس فانس لإقناعنا بمجيء الشاه، وفي کل مرة کنا نقول لهم إن ذلک يشکل خطراً على الأمريکان الموجودين في إيران، ناهيک عن أن المکان الحالي للشاه في المکسيک هو مريح، لکن الکثير ـ ومنهم بريجنسکي ـ کان يصر على مجيئه مدعياً إظهار القدرة والوفاء لصديق مخلص کالشاه حتى لو تعرض بعض الأمريکان للأذى، وکنت أرفض وأقاوم هذه الاقتراحات بشکل شدة وقساوة.
فالأوضاع قد تغيرت عما کان عليه سابقاً عندما دعوت الشاه إلى أمريکا، فالرعايا الأمريکان الآن في خطر وليس هناک ما يدعو مجيء الشاه إلى هنا، وکما کان متوقعاً فإن سفارتنا أوصتنا بعدم دعوة الشاه إلى أمريکا. کان أعضاء السفارة قبل بداية الثورة 1500 شخص وانخفض عددهم بعد الثورة إلى 75 شخصاً، حيث أجرينا بعض التعديلات في مجال المحافظة على السفارة، واقتنعنا بأن حکومة بازرکان تجعل رعايانا في مأمن واستقرار. على أي حال فإن توصيات السفارة جعلتني أکثر إصراراً في إخلاء بقية الأمريکان والإبقاء على الشاه في المکسيک.
 
 

مرض الشاه السياسي
في الأول من أکتوبر 1979 سمعت بمرض الشاه، وکتب سايروس فانس في تقريره "بأن ديفيد راکفلر بعث بطبيبه الخاص لمعاينته، وفي حال خطورة صحته يطلب موافقتنا بمجيئه إلى أمريکا للمعالجة".
في طهران کتب لنا "بروس ليتغن" أن العداء والکراهية في داخل إيران تجاه الشاه لا زالت مستمرة، ولو وافقنا على مجيء الشاه ـ حتى لأسباب إنسانية فإن نفوذ علماء الدين بين الناس من شأنه أن يؤدي إلى ردود فعل عنيفة بل أسوأ مما حصل سابقاً.
في 17 أکتوبر تسلم "فانس" تقريراً آخر من راکفلر جاء فيه أن الشاه مريض جداً ويستعصي تشخيص مرضه وعلاجه، والأطباء يظنون إصابته بالسرطان، ويريدون نقله إلى المرکز الطبي في جامعة کرنل في نيويورک ليتولى فحصه أستاذ شهير من جامعة کولومبيا في 18 أکتوبر ثم يتشاور مع المشرف على القسم الطبي في وزارة الداخلية کي يصدر التوصية المشترکة حول نوع العلاج الذي يحتاج ويبلغ "فانس" بذلک. ثم جاءني تقرير فانس مضيفاً "إذا سمحنا للشاه بالمجيء إلى أمريکا للعلاج فيجب أن نطلع الإيرانيين بأنه عمل إنساني صرف، لکي نفسح المجال ويتسنى لنا الجواب الشافي لمکوث الشاه مستقبلاً وإقامته هنا" فکتب في أدنى هذا التقرير کلمة "O.K" وأرسلت نسخة منه إلى "فانس".
وفي صباح يوم الجمعة أعلن فانس عن استعداده للموافقة على مجيء الشاه للعلاج، وبقيت أنا وحيداً، وصادف أن کان "هنري برشت" مدير قسم شؤون الإيرانيين في وزارة الداخلية في طهران مع "بروس لينغن" فأمرته أن يطلع بازرکان وإبراهيم يزدي وزير الخارجية الإيرانية بحالة الشاه ويخبرهم بأنه من المحتمل أن يکون هنالک برنامج لمعالجة الشاه ونريد منهم المساعدة في هذا المجال، بعد ذلک تسلمت تقريراً من "لينغن" جاء فيه أنه أطلع بازرکان ويزدي بأن الشاه وزوجته سوف لن يسمح لهما بأي نشاط سياسي خلال إقامتهم في أمريکا، وکذلک طلب منهم الضمان لحماية الرعايا الأمريکان في إيران، وکان الرد إيجابياً لکنهم قالوا أنه ليس هناک أدنى شک من أن ذهاب الشاه إلى أمريکا ستکون له ردود فعل عنيفة من قبل الإيرانيين.
في 20 أکتوبر ذهبت إلى کامب ديفيد حيث تسلمت مذکرة "حساسة جداً" من "کريستوفر" مساعد وزير الداخلية، کتب فيها "علمنا أن الشاه مصاب بمرض لمفاوي خطير مع انسداد داخلي مما أدى إلى يرقان شديد، ومنذ أشهر بدأ العلاج الکيمياوي وأدى إلى تحسن من مرضه هذا، لکن العلاج الکيمياوي لم يعط نتائج مرضية خلال الأشهر الأخيرة فهو "الشاه" يحتاج إلى تحليلات وفحوص طبية أخرى. وقال الدکتور "کين" أستاذ جامعة کرنل والذي زار الشاه بأننا لا نستطيع الاستمرار في دراسة مرض الشاه وهو في المکسيک وأوصى بحضوره إلى أمريکا لمتابعة العلاج. وطلب ديفيد راکفلر نقل الشاه إلى مستشفى "اسلون کنرينک" في نيويورک لمتابعة العلاج والتحليلات الطبية، ووافق الدکتور "کين" رئيس القسم الطبي في وزارة الداخلية على ذلک، وقلت لبريجنسکي بالسماح للشاه لأجل العلاج في نيويورک على أن نطلع سفارتنا في طهران موافقة الإيرانيين، وفي 22 أکتوبر أطلعني فانس "أن ردود الفعل لدى الحکومة الإيرانية کانت هادئة، وأن الشاه وزوجته اللذين سيصلان نيويورک هذه الليلة، لن يسمح لهم بالنشاط السياسي".
وفي يوم السبت وصل الشاه إلى نيويورک، وفي إيران شجب هذا العمل، ولکننا تأکدنا بأن رعايانا في طهران في أمان، وتسلمت سلسلة من التقارير من وزارة الداخلية بشأن الشاه ثم أخبرني مساعد راکفلر بأن مرضه اللمفاوي السرطاني من النوع المتقدم في المرحلة الثالثة، ويحتمل أن يتقدم أکثر بحيث تستمر معالجته على الأقل ثمانية أشهر بواسطة الأشعة والأدوية الکيماوية.
وقال طبيب الشاه إن فرصة الشاه في الحياة هي 50% خلال الـ 18 شهراً القادمة، وإذا کان محظوظاً فإنه يستطيع البقاء بضع سنوات أخر، ولکي تتحسن صحته بعد العملية الجراحية السابقة عليه البقاء في المستشفى 2ـ3 أسابيع أخرى... لکنه بالرغم من کل ذلک مات الشاه بعد سفره إلى القاهرة في 27 تموز 1980
 

انتهای پیام