۱۳۹۱/۵/۲۵   19:4  بازدید:7529     الاعتقادات


( الأجر - الحساب - الجزاء - الثواب ) في القرآن

 






مبدأ الثواب والعقاب، سواء أکان الثواب والعقاب ماديًا أم معنويًا، أمر قررته شرائع السماء، وأقرته شرائع الأرض، وقامت عليه حياة الناس في الأولى والآخرة، وفي القديم والحديث؛ قال تعالى: { من عمل صالحا من ذکر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما کانوا يعملون } (النحل:97) .
وقد حفل القرآن الکريم بالعديد من الألفاظ المتعلقة بمبدأ ( الثواب ) و( العقاب )؛ فمن تلک الألفاظ المتعلقة بمبدأ ( الثواب )، لفظ ( الأجر )، وقد ورد هذا اللفظ في أکثر من تسعين موضعًا في القرآن الکريم، من ذلک قوله تعالى: { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه } (البقرة:112)؛ ومنها لفظ ( الحساب )، وقد ورد في القرآن - کاسم - في نحو سبعة وثلاثين موضعًا، منها قوله تعالى: { والله يرزق من يشاء بغير حساب } (البقرة:212)؛ ومنها لفظ ( الجزاء )، وورد في القرآن - کاسم - في أکثر من ثلاثين موضعًا، من ذلک قوله سبحانه: { وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى } (الکهف:88)؛ ناهيک عن لفظ ( الثواب )، الذي ذُکر في القرآن - کاسم - في تسعة مواضع، منها قوله سبحانه: { ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها } (آل عمران:145) .
والحديث عن هذه الألفاظ الأربعة، يترکز على ثلاثة جوانب، أولها: معناها اللغوي؛ وثانيها: معناها القرآني؛ وثالثها: ما جاء بينها من فروق معتبرة .
1- ( الأجر ):
لفظ ( أجر ) من حيث اللغة، يفيد أمرين؛ أحدهما: الکراء على العمل؛ يقال: أجر فلان فلانًا، يأجره أجرًا: أعطاه الشيء بأجرة؛ ويقال: آجر فلان فلانًا: أعطاه الأجرة؛ ويقال: آجره الله، وأجره الله، کلاهما بمعنى. وثانيهما: جبر العظم المکسور؛ يقال: أُجرت يده، إذا جُبر عظمها المکسور. والمعنى الجامع بينهما: أن أجرة العامل کأنها شيء يُجبر به حاله، فيما لحقه من تعب وکد فيما عمله .
ثم إن مصطلح ( الأجر ) في القرآن، جاء على أربعة معان:
أحدها: بمعنى مهور الزوجات، ومنه قوله تعالى: { فآتوهن أجورهن فريضة } (النساء:24) أي: مهورهن .
ثانيها: بمعنى ثواب الطاعة، ومنه قوله سبحانه: { ولنجزين الذين صبروا أجرهم } (النحل:96) أي: ثوابهم؛ ومصطلح ( الأجر ) بمعنى ( الثواب ) إطلاقه کثير في القرآن .
ثالثها: بمعنى المقابل المادي على عمل ما، ومنه قوله تعالى: { وما تسألهم عليه من أجر } (يوسف:104)، وقوله سبحانه: { أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون } (الطور:40) .
رابعها: بمعنى نفقة المرضعات، کقوله تعالى: { فإن أرضعن لکم فآتوهن أجورهن } (الطلاق:6)، أي: نفقة الرضاع .
2- ( الحساب ):
لفظ ( حسب ) لغة، يدل على أمور أربعة:
أولها: العد والعدد؛ يقال: حسبت الشيء أحسبه حَسبًا وحُسبانًا؛ ومن هذا الباب ( الحَسَب ) الذي يعد منه الإنسان؛ يقال: فلان ذو حسب: إذا انتسب إلى عائلة شريفة. ومنه قولهم: احتسب فلان ابنه: إذا مات ولده، فإنه يحسبه ذخرًا له عند الله؛ ومنه أيضًا، قولهم: فلان حسن الحسبة بالأمر: إذا کان حسن التدبير له، والقيام به على الوجه المطلوب والمأمول .
ثانيها: الکفاية؛ تقول: شيء حساب، أي: کاف؛ ويقال: أحسبت فلانًا: إذا أعطيته ما يرضيه؛ ومن هذا الباب، قولهم: حسبک هذا: أي يکفيک .
ثالثها: الحسبان، جمع حُسبانة؛ وهي الوسادة الصغيرة، التي يتکئ عليها الإنسان؛ يقال: حسَّبتُ الرجل أُحَسِّبه: إذا أجلسته ووسَّدته الوسادة .
رابعها: الأحسب، الذي ابيضت جلدته من داء، ففسدت شعرته، کأنَّه أبرص .
وأکثر نصوص الشرع وردت على المعنى الأول والثاني؛ فمن الأول، قوله تعالى: { الشمس والقمر بحسبان } ( الرحمن:5)؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ( من نوقش الحساب عذب ) متفق عليه؛ ومن الثاني، قوله تعالى: { وقالوا حسبنا الله } (آل عمران:173)، أي: کافينا؛ ومنه ما في ( الصحيحين )، من قول عائشة رضي الله عنها: ( حسبکم القرآن )، أي: يکفيکم کتاب الله، فيما أنتم فيه مختلفون .
ثم إن لفظ ( الحساب ) في القرآن، جاء على معان عديدة:
أولها: بمعنى الکثرة، ومنه قوله تعالى: { عطاء حسابا } (النبأ:36)، أي: کثيرًا .
ثانيها: بمعنى الأجر والثواب، ومنه قوله تعالى: { إن حسابهم إلا على ربي } (الشعراء:113)، أي: أجرهم .
ثالثها: بمعنى العقوبة والعذاب، ومنه قوله تعالى: { إنهم کانوا لا يرجون حسابا } (النبأ:27)، أي: لا يخافون عذابًا .
رابعها: بمعنى الکفاية، ومنه قوله تعالى: { قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا } (المائدة:104)، أي: يکفينا ما وجدنا عليه الاباء والأجداد من الطرائق والمسالک .
خامسها: بمعنى الحفيظ، ومنه قوله تعالى: { إن الله کان على کل شيء حسيبا } (النساء:68)، أي: حفيظًا .
سادسها: بمعنى الشاهد الحاضر، ومنه قوله تعالى: { کفى بنفسک اليوم عليک حسيبا } (الإسراء:14)، أي: شهيدًا .
سابعها: بمعنى العرض على الملک الأکبر، ومنه قوله تعالى: { يوم يقوم الحساب } (إبراهيم:41)، أي: العرض على الرحمن .
ثامنها: بمعنى العدد، ومنه قوله تعالى: { لتعلموا عدد السنين والحساب } (يونس:5)، أي: عدد الأيام .
تاسعها: بمعنى المنَّة، ومنه قوله تعالى: { يرزقون فيها بغير حساب } (غافر:40)، أي: بغير منِّة عليهم، ولا تقتير؛ وهذا معنى من المعاني الذي فسرت به الآية .
عاشرها: دوران الکواکب في الفلک، ومنه قوله تعالى: { الشمس والقمر بحسبان } (الرحمن:5)، أي: يدوران حول القطب کدوران الرحى .
حادي عاشرها: الحِسبان، بمعنى الظن، ومنه قوله تعالى: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } (آل عمران:169)، أي: لا تظنوا ذلک؛ وهذا الاستعمال في القرآن کثير .
3- ( الجزاء ):
( الجزاء ) لغة يطلق على معان ثلاثة؛ أولها: الکفاية، يقال: جازيک فلان، أي: کافيک؛ وثانيها: المکافأة بالشيء، يقال: جزيته کذا وبکذا؛ وثالثها: المقابلة على الفعل، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر. ولم يجئ في القرآن إلا ( جزى ) دون ( جازى )؛ وذاک أن ( المجازاة ) هي المکافأة، والمقابلة بين طرفين، وهي مقابلة نعمة بنعمة هي کفؤها. ونعمة الله تتعالى عن ذلک، ولهذا لا يستعمل لفظ ( المکافأة ) في حق الله سبحانه .
ولفظ ( الجزاء ) ورد في القرآن على ستة معان:
أولها: بمعنى المکافأة والمقابلة، ومنه قوله تعالى: { وما لأحد عنده من نعمة تجزى } (الليل:19)، أي: تقابل وتکافأ .
ثانيها: بمعنى الأداء والقضاء، ومنه قوله تعالى: { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا } (البقرة:48)، أي: لا تقضي ولا تؤدي .
ثالثها: بمعنى: الغُنية والکفاية، ومنه قوله تعالى: { واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده } (لقمان:33)، أي: لا يغني ولا يکفي .
رابعها: بمعنى العوض والبدل، ومنه قوله تعالى: { فجزاء مثل ما قتل من النعم } (المائدة:95)، أي: فبدله ومبدله .
خامسها: المبلغ الذي يدفعه أهل الذمة المقيمين في دار الإسلام، ومنه قوله تعالى: { حتى يعطوا الجزية عن يد } (التوبة:29)، أي: حتى يدفعوا ما يقدره الإمام على فرد منهم.
سادسها: بمعنى ثواب الخير والشر، ومنه قوله تعالى: { اليوم تجزى کل نفس بما کسبت } (غافر:17)، أي: إن خيرً فخير، وإن شرًا فشر .
ثم الجزاء على الخير والشر في القرآن، يطلق على أمور؛ فمن إطلاقات الجزاء على الخير: الجزاء على الإحسان، قال تعالى: { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } (الرحمن:60)؛ ومنه الجزاء على شکر الصنيع، قال تعالى: { إن هذا کان لکم جزاء وکان سعيکم مشکورا } (الإنسان:22)؛ ومنه الجزاء على الصبر، قال تعالى: { وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا } (الإنسان:12)، ومنه الجزاء على فعل الخيرات وعمل الصالحات، قال تعالى: { جزاء بما کانوا يعملون } (السجدة:17) .
ومن إطلاقات الجزاء على الشر: الجزاء على کسب السيئات وعمل المعاصي، قال تعالى: { هل تجزون إلا ما کنتم تعملون } (النمل:90)؛ والجزاء على عداوة أهل الحق، قال تعالى: { ذلک جزاء أعداء الله النار } (فصلت:28)؛ والجزاء على القول الباطل، قال تعالى: { اليوم تجزون عذاب الهون بما کنتم تقولون على الله غير الحق } (الأنعام:93) .
4- ( الثواب ):
لفظ ( ثوب ) لغة، يدل على العود والرجوع؛ يقال: ثاب يثوب، إذا رجع. و( المثابة ): المکان الذي يثوب إليه الناس، قال تعالى: { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } (البقرة:125)، معناه: مکانًا يثوب الناس إليه على مرور الأَوقات. و( الثواب ): ما يرجع إِلى الإنسان من جزاء أعماله .
ولفظ ( الثواب ) ورد في القرآن على خمسة معان:
أولها: بمعنى جزاء الطاعة، ومنه قوله تعالى: { نعم الثواب وحسنت مرتفقا } (الکهف:31)، أي: نعم الأجر والثواب .
ثانيها: بمعنى الفتح والظفر والغنيمة، ومنه قوله تعالى: { فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة } (آل عمران:148)، فثواب الدنيا: هو الفتح والنصر والغنيمة .
ثالثها: بمعنى وعد الکرامة، ومنه قوله تعالى: { فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار } (المائدة:85)، أي: وعدهم .
رابعها: بمعنى الزيادة على الزيادة، ومنه قوله تعالى: { فأثابکم غما بغم } (آل عمران:153)، أي: زادکم غمًا على غم .
خامسها: بمعنى الراحة والخير، ومنه قوله تعالى: { من کان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } (النساء:134)، أي: عند الله الراحة والخير .
ثم إن أهل العلم يذکرون فروقًا بين بعض هذه الألفاظ؛ من ذلک، أن لفظ ( الثواب ) يقال في الخير والشر، لکن الأکثر استعماله في الخير، قال تعالى: { ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب } (آل عمران:195)؛ وکذلک لفظ ( المثوبة )، قال تعالى: { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير } (البقرة:103)؛ وقال سبحانه: { قل هل أنبئکم بشر من ذلک مثوبة عند الله } (آل عمران:60)؛ و( الإثابة ) تستعمل في المحبوب کثيرًا، قال تعالى: { فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار } (المائدة:85)، وفي المکروه قليلاً، قال تعالى: { فأثابکم غما بغم } (آل عمران:153)؛ ولفظ ( التثويب ) لم يرد في القرآن إلا فيما يکره، قال تعالى: { هل ثوب الکفار ما کانوا يفعلون } (المطففين:36) .
ولفظ ( الثواب )، وإن کان في اللغة يطلق على الجزاء الدنيوي والأخروي، إلا أنه قد اختص في العرف بالجزاء الأخروي على الأعمال الصالحة من العقائد الحقة، والأعمال البدنية والمالية، بحيث لا يتبادر منه عند الإطلاق إلا هذا المعنى؛ في حين أن مصطلح ( الأجر ) يطلق على الجزاء الدنيوي والأخروي معًا .
ومن الفروق بينهما، أن ( الأجر ) يکون قبل الفعل المأجور عليه؛ لأنک تقول: ما أعمل حتى آخذ أجري، ولا تقول: لا أعمل حتى آخذ ثوابي؛ لأن الثواب لا يکون إلا بعد العمل، قال تعالى: { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت } (القصص:26)، وقال أيضًا: { على أن تأجرني ثماني حجج } (القصص:27) .
والأصل في معنى ( الأجر ) ما يعود من ثواب العمل، دنيويًا أو أَخرويًا؛ لکن جرى استعمال ( الأجرة ) في الثواب الدنيوي، واستعمال ( الأجر ) في الثواب الأخروي . وذکروا من الفروق بين لفظ ( الأجر ) ولفظ ( الجزاء )، أن ( الأجر ) يقال فيما کان من عقد، کالإجارة على عمل ما؛ وما کان يجري مجرى العقد، کإعطاء أجر مادي لمن يقوم بخدمة ما، من غير اتفاق مسبق؛ أما ( الجزاء )، فيقال فيما کان من عقد، کأن تعطي عاملاً يعمل لديک جزاءً على عمله، أي: أجرًا؛ ويقال کذلک في غير العقد، کأن تعطي الطالب جزاء ما، بسبب جده ونشاطه؛ وثمة فارق آخر بينهما، وهو أن لفظ ( الأجر ) لا يقال إلا في النفع دون الضر؛ أما لفظ ( الجزاء )، فيقال في النافع والضار .